واقع الصحافة الكردية المطبوعة في روجآفا

41

دلشاد مراد – صحفي وعضو المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة

“قال أحدهم “إذا أردت أن تعرف فيما إذا كانت أمة ما حرةً فانظر إلى صحافتها”

دلشاد مراد

بدأ الإعلام منذ فجر التاريخ الإنساني، فالعلاقات الموجودة ضمن المجتمع هي إعلام بحد ذاته، وكلما تطورت العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تطور الإعلام معه، فهو ذو مفهوم مجتمعي بامتياز.

الصحافة “الإعلام” لا تنحصر وظيفتها في نقل الخبر أو المعلومة إلى الجمهور، فالإعلامي أو الصحفي ليس روبوتاً يقوم بتسجيل الحدث فقط، بل يتعدى مهامه إلى تحليل الحدث ونشر الحقيقة والالتزام بقضايا المواطنين “الجمهور” وتوجيه الرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ولذلك يطلق عليه “القوة الأولى”، و ينبغي أن تكون الصحافة حرةً حتى يمكنها القيام بوظائفها دون أي عوائق أو قيود.

لم يكن النظام البعثي السوري يسمح بظهور أي وسيلة إعلامية كردية مطبوعة بشكل علني ورسمي قبل عام 2011م ، وكانت جميع الصحف والمجلات الكردية في سنوات حكمه تطبع وتوزع سراً في الوسط السياسي والثقافي الكردي. وخلال عامي 2003-2010م كانت المواقع الإخبارية الأنترنيتية الفسحة الوحيدة المتبقية لدى الأوساط السياسية والثقافية السورية بشكل عام، كون النظام لم يكن قادراً على إغلاقها، على الرغم من محاولاته الدائمة على حجب المواقع، وأذكر هنا مواقع كورد روج، كميا كوردا، عفرينا رنكين، كسكسور، سوبارتو، كوليلك، كورد أونلاين، كوردستانا بنختي، وكالة الأنباء الكردية (قامشلو)،… وغير ذلك من المواقع، وكان الصحفيين والكتاب والنشطاء الكرد يتعرضون لكافة أنواع التضييق من اعتقال وتهديد وملاحقات أمنية، ولا أعتقد إن ناشطاً وطنياً كردياً واحداً بقي خارج الملاحقات والتحقيقات الأمنية للنظام البعثي الأسدي الشوفيني.

ولكن بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا في آذار 2011م، وقيام الثورة في روجآفا في تموز 2012م ومن ثم إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014م، شهدت الصحافة الكردية طفرة حقيقية وتحولاً تاريخياً فاصلاً، حيث صدرت العشرات من الصحف والمجلات المطبوعة (خلال عامي 2011- 2016م صدر أكثر من (50) صحيفة ومجلة جديدة، وقد توقفت بعضها لأسباب عدة)، وظهرت الوكالات الإخبارية والإذاعات، وفتحت مقرات لقنوات تلفزيونية كردية وكذلك تأسست الاتحادات والمؤسسات الصحفية، ومؤخراً صدر قانون للإعلام بغرض تنظيم الساحة الإعلامية في روجآفا، والذي أطلق العنان لإصدار الوسائل الإعلامية وترخيصها في الإدارة الذاتية الديمقراطية حسب الأصول المتبعة عالمياً.

وفي أجواء الحصار واستمرار الهجمات الخارجية على روجآفا، فإن الصحف الوطنية الكردية التي استطاعت الاستمرار حتى الآن هي التي تمتلك إلى حد كبير سياسات تحرير ناجحة،  فالصحف التي كانت تراهن على المعارضة السورية فشلت وتوقفت، وكذلك الصحف التي اتبعت سياسة “الحيادية أو اللاموقف” فشلت أيضاً.

إن سياسة التحرير أو “الخط السياسي” الناجحة ينبغي أن تعتمد على مبدأ الأخلاق السياسية والمجتمعية والكلمة الحرة وعلى قيم المجتمع وتراثه، وأن تكون صدى وصوتاً لجميع فئات المجتمع، وأي صحيفة في روجآفا التي تشهد ثورة حقيقية على كافة الصعد في الوقت الراهن لا يمكن أن تستمر بطبيعة الحال إن كانت سياستها التحريرية أو خطها السياسي مناهضة لقيم هذه الثورة النابعة من المجتمع.

إن الصحافة المطبوعة الحالية في روجآفا والتي يمكنني أن أطلق عليها بـ “الجيل الثالث للصحافة الكردية” بعد صحافة العائلة البدرخانية في النصف الأول من القرن العشرين، والصحافة السرية  ما بين 1958-2010م، حديثة النشأة، فهي الآن في سنتها الخامسة، ومن الطبيعي أن تشهد بعض العوائق والصعوبات في سبيل التقدم المنشود للصحافة الكردية، فالظروف السياسية القائمة في سوريا والمنطقة والحصار المفروض على روجآفا واستمرار الهجمات الخارجية يؤخر من تطور التقنيات وبخاصة المطابع الحديثة، وكذلك أسعار الورق والأحبار وهذه قد تكون سبباً لإغلاق وتوقف بعض الصحف، كما تعاني المؤسسات الصحفية من من نقص في كوادرها وضعف في المؤهلات الصحفية, وهذا ما يؤثر على نوعية المواضيع والمواد التي تنشرها الصحف والمجلات، ومع ذلك فإن العوائق المذكورة مرهونة بالظروف والواقع المعاش، ومن الطبيعي أن تزول بشكل تدريجي.

وبالنسبة إلى قانون العمل الإعلامي الذي صدر في مقاطعة الجزيرة  قبل أشهر فقد كانت حصيلة نقاشات بعض الأطراف الحقوقية والإعلامية، وأبرز ما تضمنه ذلك القانون تشكيل مجلس للإعلام من 15 عضواً منتخبين من جانب الأطر الإعلامية (اتحادات ونقابات) والمؤسسات الإعلامية العاملة في المقاطعة، مع تمثيل المكونات ولمدة سنتين. ويكون وظيفته وضع الضوابط الكفيلة بتنظيم قطاع الإعلام، ومنح التراخيص للمؤسسات الإعلامية (المطبوعة والمرئية والمسموعة والالكترونية) وتسوية المنازعات التي تنشأ بين الوسائل الإعلامية والإعلاميين بالطرق الودية، ومتابعة جميع الوسائل والمؤسسات الإعلامية والتأكد من التزامها بمضمون قانون الإعلام، وتنظيم دخول الصحف إلى داخل المقاطعة، وتمثيل المقاطعة إعلامياً في الخارج. كما حدد القانون حقوق الإعلامي  في البحث عن المعلومات وحضور المؤتمرات والاجتماعات العامة وعدم المساس بحريته جرّاء عمله أو رأيه، وكذلك حدّد واجباته في عدم نشر أو بث الدعوات العنصرية والكراهية والعنف وعدم التحريف والتزوير.

ليس من المعيب وجود قانون لتنظيم العمل الصحفي في روجآفا، على الرغم إن العمل الصحفي والإعلامي في روجآفا لا يزال في طور النشأة، وهو حديث العهد مقارنة بالمحيط والخارج، ولكن يبقى الأمر في التطبيق الأمثل لهكذا قانون في الواقع العملي، نأمل أن يوضع “قانون الإعلام” في خدمة تطوير الصحافة والإعلام في روجآفا، وكلنا ثقة بذلك، فأحد أبرز مبادئ وأهداف ثورة روجآفا هي إطلاق العنان للصحافة والإعلام الحر ولحرية التعبير والرأي.

نٌشر هذا المقال في العدد (43) من صحيفة “Buyerpress”

2016/5/15

مقالات1

التعليقات مغلقة.