معارك ريف حلب الشمالي وجغرافية السيطرة على الحدود السورية-التركية
” ففي حلب وريفها الشمالي والشرقي والجنوبي، تدور “حرب عالمية مصغرة” بحسب توصيف صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية. فالحرب استعرت بعد إعلان المجموعة الدولية لدعم سورية، اتفاقها على “وقف العمليات القتالية” ولم يصمد طويلاً”.
كمال شيخو
اتجهت بوصلة الصراع في سورية قبل عدة أسابيع الى حلب، عاصمة سورية الاقتصادية. واتجاهات رياح الحرب المستمرة منذ خمس سنوات، تهب من ريفها الشمالي وتحديداً من بلدتي اعزاز ومارع اللتان تشكلان نقطة التقاء طرفي المناطق الكردية بين اقليمي عفرين وكوباني (عين العرب) من جهة، وخط الإمداد الوحيد للمعارضة السورية المسلحة مع تركيا من جهة ثانية، وتعد آخر معاقلها في ريف حلب الشمالي.
يضاف الى هذه التحركات العسكرية، استعادة تنظيم “الدولة الإسلامية” بلدة الراعي بعد ان خسرتها مدة 48 ساعة والتابعة لريف اعزاز الحدودية مع تركيا.
ففي حلب وريفها الشمالي والشرقي والجنوبي، تدور “حرب عالمية مصغرة” بحسب توصيف صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية. فالحرب استعرت بعد إعلان المجموعة الدولية لدعم سورية، اتفاقها على “وقف العمليات القتالية” ولم يصمد طويلاً.
وفي العاشر من شهر شباط/فبراير الماضي من العام الجاري، انتزعت قوات سورية الديمقراطية مطار منغ العسكري والذي كان في قبضة المعارضة منذ آب/اغسطس 2012، وبعد خمسة أيام؛ سيطرت نفس القوات على كامل مدينة تل رفعت التي كانت تحت سيطرة المعارضة منذ بداية العام 2012 وتبعد عشرين كيلومتراً عن تركيا.
كما سيطرت قوات سورية الديمقراطية على قرية الشيخ عيسى الواقعة غرب مدينة مارع معقل الجبهة الشامية، وباتت جبهاتها على تماس مع مناطق تنظيم الدولة” في ريف حلب.
في حين حققت قواّت النّظام السوريّ تقدماً في جنوب حلب، وتسعى الى محاصرة ما تبقى من فصائل الجيش الحر والقوى الإسلامية المقاتلة وجبهة النصرة؛ والسيطرة على المنافذ الحدوديّة وجعلها ضمن مناطق سيطرتها.
فالمعارك لم تتوقف بمحاذاة الحدود السوريّة -التركيّة بين قوّات “سوريا الديموقراطيّة” ضد “جبهة النّصرة” وحركة “أحرار الشام” وفصائل محلية مقاتلة في ريف حلب الشمالي من جهة وهذه الأخيرة ضد قوات النظام السوري، وبين قوات سورية الديمقراطية وتنظيم “الدولة الإسلاميّة” شرق نهر الفرات وشرق قرية الشيخ عيسى من جهة ثانية.
ويرجح خبراء ومحللون في الشأن السوري، أن تشهد الفترة القادمة معارك ساخنة وحاسمة لدى كل الأطراف المتصارعة، وتغيير موازين القوى لصالح القوات المعادية لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
فالتحركات العسكرية الأخيرة لقوات “سورية الديمقراطية” وفصائل من المعارضة السورية المسلحة في شمالِ سورية، ترمي إلى قطع خط الإمداد الأخير لتنظيم “الدولة” الذي يربط ريف حلب الشرقي والشمالي بمدينة الرقة من جهة، وخنقه بقطع آخر المنافذ الحدودية للتنظيم مع تركيا من جهة ثانية.
وبذلت تركيا جهوداً لفرض منطقة آمنة بين مدينتي جرابلس الخاضعة إلى نفوذ تنظيم “الدولة”، وإعزاز الّتي تسيطر عليها “حركة أحرار الشام”، بطول 100 كيلومتر وعمق 45 كيلومتراً لتوفير ملاذ آمن للاّجئين بدلاً من نقلهم إلى تركيا، إلاّ أنّ إدارة الرئيس الأميركيّ باراك أوباما رفضت إنشاء هذه المنطقة، اضافة أن المقترح لم يلقى قبولاً لدى دول حلف شمال الأطلسيّ وتركيا عضو في الأخير.
بَيْد إنّ قوّات “سوريا الديموقراطيّة” تسيطر على معظم الحدود البريّة مع تركيا، والتي تقدّر بحوالي سبعمائة كيلومتر، وكانت الحدود (السوريّة –التركيّة) قد رسمت بموجب معاهدة سيفر في عام 1920، ويبلغ طولها حوالي تسعمائة كيلومتر، وهي بالمجمل بريّة.
تخضع حوالي سبعين كيلومتراً منها إلى سيطرة تنظيم “الدولة”، في المسافة الواقعة بين مدينتي جرابلس وإعزاز المقابلة لبلدة كركميش التركيّة، وانحسرت سيطرة التنظيم بعدما كانت تمتد على طول 250 كلم قبل سنة ونصف، ما يشير إلى تراجع واضح في منطقة نفوذ هذا التنظيم الإسلامي المتشدد.
فيما تسيطر حركة “أحرار الشام” وفصائل محليّة من الجيش السوريّ الحرّ، على ثلاثين كيلومتراً من مدينة أعزاز المقابلة لمدينة “كلس” جنوب تركيا. وتعدّ أعزاز الواقعة في شمال حلب، آخر معقل للمعارضة السوريّة قبالة الحدود التركيّة، إضافةً إلى سيطرتها على حوالي مائة كيلومتر في مدينة ادلب -شمال سوريا، المحاذية لمدينة إنطاكية (هاتاي) الّتي تقع في غرب تركيا.
أما قوّات “سوريا الديموقراطيّة” تسيطر على بقيّة (الحدود السوريّة-التركيّة) المقدّرة بحوالي ستمائة كيلومتر من أصل تسعمائة كيلومتر، تمتدّ من مدينة عفرين الكرديّة (شمال غرب حلب)، وتربطها حدود بريّة مع تركيا تزيد عن مائة كيلومتر. لتصل إلى شرق نهر الفرات، مروراً بمدينة عين العرب (كوباني) المحاذية لبلدة سروج التركيّة (جنوب شرق تركيا).
وتشمل أيضاً بلدة تلّ أبيض “كري سبي” (شرق سوريا)، المحاذية لولاية أورفة التركيّة وغالبية بلدات محافظة الحسكة المحاذية للحدود، والّتي تخضع كاملة إلى سيطرة وحدات الحماية الشعبية الكرديّة، لتصل شرقاً الى معبر فيش خابور عند نقطة التقاء (سورية والعراق وتركيا).
وتتجه الأنظار مجدداً الى شمال سورية، وتحديداً الى ريف حلب الشمالي والشرقي، فالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تكثف جهودها في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء عليه، وأثبتت وحدات حماية الشعب والمرأة الكردية، أنها القوة الأكثر فاعلية في التصدي للتنظيم في سورية. الأمر الذي دفع التحالف الى تقديم الدعم الجوي والعسكري لها، سيما بعدما خاضت أعنف المعارك ونجحت في طرده من مدينة كوباني (عين العرب) في كانون الثاني (يناير) الماضي، كما تمكنت من تحرير بلدة تل ابيض التابعة لمحافظة الرقة في شهر شباط/فبراير الفائت لهذا العام.
نُشر هذا المقال في العدد (43) من صحيفة “Buyerpress”
216/5/15
التعليقات مغلقة.