في ضرورات النظام الفيدرالي سياسياً واقتصادياً

25

” وانطلاقاً من جميع هذه الإشكاليات الاقتصادية والإدارية والسياسية يمكننا القول بأن النظام الفيدرالي المقترح سيكون حلاً جوهرياً وتكاملياً في مواجهة تلك الإشكاليات “

د.شوقي محمد أكاديمي اقتصادي

 

بعيداً عن الانغماس في سجالات مع تلك الأصوات التي دعت إلى الوقوف مباشرة وبقوة في وجه الخطوة التاريخية التي طرحها المجلس التأسيسي لإنجاز مشروع نظام فيدرالي في مناطق روجآفا- شمال سورية بحجة أنها خطوة نحو تقسيم البلاد أو الانفصال عنها انطلاقاً من الذهنية والعقل الجمعي السائد لدى الآخر المصاب بفوبيا رفض كل ما هو كردي أو يتعلق بهم.

وفي الأسطر التالية سنتعرض لقراءة بعض الجوانب السياسية والاقتصادية والفوائد التي يمكن أن نجنيها كسوريين من شكل الحكم المقترح في المرحلة القادمة من تاريخ سورية.

إذا أردنا أن نجمل ضرورات النظام الفيدرالي في سورية فإنه يتوجب علينا اتباع أسلوب التفكيك البنيوي لتركيبة وشكل وآليات عمل النظام المركزي السابق والمآلات التي أوصل إليها المجتمع السوري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً حتى نصل بالنتيجة إلى مدى أهمية الفيدرالية كشكل لنظام الحكم القادم في سورية.

بداية يمكن القول بأن أي نظام فيدرالي مقترح يخص هذه المنطقة يجب أن ينطلق من مبادئ ديمقراطية وأن يبنى على أرضية مجتمعية تشاركية واعية تهدف إلى إحداث تغيرات في البنية الهيكلية للنظام السياسي والاقتصادي والإداري القائم ويؤسس لمشروع شراكة سياسية قادرة على خلق القدرة الذاتية للمجتمع لتصحيح مسارات العمل السياسي والمجتمعي بآن واحد ويفضي إلى تحولات عميقة وجوهرية في بنية العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين مكونات ونسيج المجتمع السوري بشكل يسمح بإدخال تغييرات في الذهنية والقيم والسلوكيات المجتمعية والممارسات السياسية والفكرية لفئات الشعب ومكوناته تجاه بعضهم البعض وبشكل يرتبطون فيه عضوياً بالنظام المقترح فيصبحون فاعلين فيه ومدافعين عنه ويسعون إلى تعزيزه وتكريسه وتطويره.

إن اتباع الفيدرالية كشكل لنظام الحكم لا يعني بالضرورة توحيد المقسم تحت خيمة دولة واحدة ففي الحالة السورية ولما كانت البلد موحدة أصلاً فإن الفيدرالية ستعنى بتخلي الحكومة المركزية عن العديد من صلاحياتها الإدارية والاقتصادية والسياسية لصالح الأطراف المكونة لها بشكل يعزز من دور هذه الأطراف في تقوية الموحد ذاك ويزيد من مساهمتها في تنميته وتطوره مقابل تخلي الأطراف عن القضايا المتعلقة برسم الاستراتيجيات العامة للدولة وسياستها الخارجية وشؤون الدفاع والسياسات المالية لصالح المركز. من جهة ثانية فإن مشروع الفيدرالية سيعنى بإيجاد آليات وقوانين تضمن لجميع مكونات المجتمع السوري الحفاظ على هويتها بل والتأكيد عليها سياسياً واقتصادياً وإدارياً بدلاً من السعي نحو صهرها في بوتقة واحدة الأمر الذي أفرز العديد من الإشكاليات في المرحلة السابقة والتي شكلت عثرة كبيرة نحو تحقيق أية تنمية اقتصادية واجتماعية في البلاد خلال العقود الماضية.

ولما كانت جميع الممارسات ومؤشرات عمل النظام المركزي السابق تشير إلى جهة عدم وجود أية شراكة مجتمعية حقيقية في إدارة البلاد واستحواذ فئات معينة على معظم مفاصل الحكم الإداري والسياسي والأمني الأمر الذي تسبب بالتفرد في القرار السياسي والاقتصادي للبلاد والاستحواذ على مقدراتها وثرواتها لصالح تلك الفئات او الموالين لها مما أدى إلى نشوء صراعات طبقية حادة نتيجة تزايد أعداد الفقراء وارتفاع معدلات البطالة والتضخم أو أدت إلى عداءات قومية بين مكونات المجتمع السوري كانت سبباً لرفض الآخر وانتهاج ثقافة إلغائه وإقصائه ومحاولة صهره مما أدى إلى إحساس عميق للعنصر السوري بغربته عن وطنه وعن شركاءه فيه. وكان للكرد النصيب الأكبر من ذلك الحيف التاريخي الذي لحق بمعظم مكونات المجتمع السوري من جهة تجاهله واتباع سياسيات غير سليمة تجاهه كانت تهدف بالمجمل إلى استبعاده عن مراكز القرار السياسي والاقتصادي وعدم القبول بهويته التاريخية وطمس تراثه وثقافته وتغيير ديمغرافية مناطقه مما خلق حواجز نفسية سلبية بينه وبين باقي مكونات الشعب كانت تنتهي دائماً بفوبيا رفض كل ما هو كردي والتشكيك بوطنيته لتصل أحياناً لدرجة اتهامه بنوايا انفصالية وحتى بالعمل على تخريب البلاد.

وحيث عجزت الحكومات المتعاقبة في سوريا خلال العقود الماضية عن حل الكثير من تلك المشاكل السياسية ونأت بأن تخلق أرضية مشتركة تسمح بالالتفات نحو قضايا التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد مما أدى إلى حدوث اختلالات هيكلية في بنية المجتمع والاقتصاد السوري. فبالنظر إلى مآلات التنمية في البلاد يمكن ملاحظة التفاوت الواضح في مستوياتها بين المناطق والمحافظات السورية نتيجة غياب أية أسس أو استراتيجيات تنموية متوازنة تأخذ البعد الجغرافي لعملية التنمية بعين الاعتبار فغابت المشروعات الاستثمارية والصناعية عن العديد من المناطق كمحافظة الحسكة حتى تلك المرتبطة بالزراعة والتعدين كمزايا نسبية اقتصادية متوافرة في المنطقة دون غيرها وذلك لغايات وسياسات واهية أبقت المحافظة بعد عشر خطط خمسية ضمن قائمة المحافظات النائية مما أدى إلى تفاوت في توزيع الدخل والثروة الوطنية بين المناطق السورية وعمّقت التفاوت الطبقي في المجتمع فزادت معدلات البطالة وارتفعت أعداد الفقراء مقابل ثراء فئات معينة قريبة من مراكز القرار الاقتصادي والإداري. فعلى الرغم من استحواذ الحكومة المركزية على جميع مقدرات وثروات البلاد الطبيعية والاقتصادية إلا أنها عجزت تماماً عن التوزيع العادل لعائداتها وغابت أية خطط واستراتيجيات تنموية حقيقية عن أدائها مما حرم فئات اجتماعية كثيرة ومناطق غنية بالثروات من تحسين واقعها الاقتصادي والتنموي.

وانطلاقاً من جميع هذه الإشكاليات الاقتصادية والإدارية والسياسية يمكننا القول بأن النظام الفيدرالي المقترح سيكون حلاً جوهرياً وتكاملياً في مواجهة تلك الإشكاليات على أرضية قاعدة ديمقراطية تضمن المشاركة المجتمعية الفعالة في وضع آليات وشكل إدارة الحكم ضمن مناطقهم وتنفيذ المشاريع التنموية فيها بما يتناسب وواقعها الاقتصادي وحاجاتها ويحفظ حقها في عائدات ثرواتها ويسمح لها بالرقابة المباشرة على استثمارها وتوزيع إيراداتها مما سيضمن تحقيق طموحات الشعب السوري بجميع مكوناته وعلى مختلف الأصعدة السياسية والإدارية والتنموية ويعزز هويته ويقوي من شعور الانتماء الوطني لديه  ويضمن له العيش الكريم.

نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/2016

3

 

 

 

التعليقات مغلقة.