طه خليل
شهر آذار في الذاكرة الكردية شهر مؤلم، يكاد لا يخلو يوم فيه من مجزرة أو كارثة أو مقتل بحق الشعب الكرديّ، من سقوط جمهورية مهاباد إلى مدينة حلبجة التي تم قصفها بالسلاح الكيمياوي وصولا لانتفاضة قامشلى قبل عقد من الزمن، و.. وصولا بما يمسني شخصياً حيث تفجير بلدية قامشلى في الحادي عشر من آذار قبل سنتين عندما ارتكب ظلاميو العصر جريمتهم النكراء، وسقط أكثر من عشرة شهداء بينهم ابنتي الوحيدة حلبجة، التي أدمت روحي، وجعلت من هذا الشهر ملعونا في ذاكرتي حتى تجف عيناي، رغم تقديسي لأيام أخر فيه، كنوروز ومقاومة سيد شهداء كردستان مظلوم دوغان.
منذ سنتين أحتفي بهذا الشهر بطريقتي الخاصة، وأنثر حزن روحي على تراب في مزار الشهداء، وألثم وجعي هناك حتى تطلع علي شمس كالحة، باردة كعين لم تعد ترى، وفي هذه السنة أضع يدي على قلبي، ماذا بآذارنا هذا.؟ وظننت ان استثناء سيمر ويمر آذار بسلام، ولكن وفي صبيحة الحادي عشر من آذار قرأت خبراً عن إعدام صديقي الشاعر بشير العاني وابنه إياس في دير الزور على أيدي الظلاميين أنفسهم، فقسمّت عيني يومها إلى جهتين جهة ابنتي وجهة صديقي وابنه، وما كفاني حزن ولا دمع.
إن شاعرا يعدم بتهمة الردة تحت غطاء ثورة، أية ثورة كانت ليس إلا ارتكاب الجريمة الأبشع، والأكثر قذارة وظلامية، ويتحمل مسؤوليتها ليس فقط من نفذها، بل كل من أوجد هذا المناخ، لاستحضار هؤلاء القتلة، سواء كانت دولا أو جهات، أو ائتلافات تدعي الثوروية، وتتحدث باسم الشعب السوري، من تركيا المجرمة المحتلة مرورا بميشيل كيلو وصبرا والخوجا والعبدة وكل من يتعامل معهم من قريب أو بعيد وصولا لألاعيب نظام مجرم فتح الحدود السورية لكل قتلة العالم والدخول اليها للتنكيل بالشعب السوري، إن اعدام شاعر مثل بشير العاني، هو إعادة ترتيب لمقتل لوركا، وكلسرخي الايراني، ومقتل الضحكة المجلجلة، والقصيدة النعناع التي تمر بجناحين هشين كجناح سنونوة وتمس مياه الفرات، الفرات الذي اصطدت من سمكه بشير العاني وأنا، وتبارينا بقول الشعر هناك على مسمع الجري والحنكليس والزازان والكرب والبني، وكنا على موعد آخر للصيد، ولكن الغزاة أغلقوا الطرق والفضاء على “الدير”، وفصّلوا عباءة “الدير” على مقاس أيتام الاسلام من طاجيك وبلوش وأفغان ومغاربة وتوانسة ومن كل بقاع الأرض حيث يعشعش ظلام القرون، وتمد الأفاعي رؤوسها تحت الجسر المعلق، تتساءل عمن لطخ ماء النهر بالدم بعد دم الحسين بن علي، حيث رماه ابن سنان النخعي وهو يحاول أن يشرب من النهر ما يطفئ نار الجرح، في صدر ابن ابنة الرسول محمد، وها اليوم يمرّ دم الشاعر، يعبر زواريب تاريخ مظلم، تاريخ بني على الجماجم، تاريخ طعين، ليفتح ساقية صغيرة ويصب في ” حويقة الفرات ” غرب الجسر المعلق، الجسر الذي بناه الاستعمار وهدّه الثوار وأبطال الطورانية الحديثة.
يا لوحشة الشاعر وهو يرى ابنه ينحني أمام الرصاص، يا لوحشته وهو يعرف أن الزخة القادمة ستكون في صدره، ويا لوحشة الابن الذي أصر أن يمكث مع أبيه في الدير: ” مو قدران أترك الناس هون يا طه ” قالها لي بشير في آخر اتصال لي معه على الانترنيت، ويا لوحشة رسل جاؤوا وأحضروا معهم كتبا وآيات، ويا لوحشتي التي تنتظر انقضاء آذار اللعين.
زاوية يكتبها طه خليل لصحيفة “buyerpress” ،ثشرت في العدد (39)
2016/3/15
التعليقات مغلقة.