إعادة ترتيب البيت الكردي

45
التقاط
طاهر حصاف

” إن الحركة الكردية  تملك “سِفرا” حافلا دوّنت فيه التفاصيل الدقيقة التي تفوق عدد ذرات الرمل الراقدة حول شواطئ أنهارنا منذ آلاف السنين…والذين يتصورون أن الشعب بلا ذاكرة يوهمون أنفسهم قبل أن يوهموا غيرهم”.

من باب تنشيط الذاكرة,وإعادة المعلومة التي لا تخلو إعادتها من فائدة, نقول: إن اليوم الذي أصبح الكردي فيه سيّد نفسه, كان حلما يداعب مخيلات أجيال بكاملها..ومشروعا يستميت من أجل تحقيقه الكبير والصغير وهاجساً يراود أذهان الأمة, ويدغدغ سنوات أعمار أبنائها.

فمنذ انهيار آخر الإمارات الكردية, وانهيار جمهورية مهاباد الديمقراطية, لم يتسنى لهذا الشعب أن يكون صاحب إرادته, وصانع قراره. إن أي كردي عاش وطأة  الإرهاب, وذاق الاضطهاد, وعانى القهر, بسبب عنصره, أو لونه, أولغته, غير مستعد اليوم  للإفراط  بحريته والمساومة عليها مهما  كان الثمن. إن هذا التمسك بكرديته اكتسب درجه القطعية: ولا يمكن لأي هيئة مهما كانت مكانتها أن تطعن فيها أو تميزها.

 لا طفلة, لا طفل, لا امرأة, لا رجل ,لا عجوز, لا كهل, يفضل العسف على الحرية, والعبودية على الانعتاق, والتميز على المساواة أو يفضل العيش داخل مساحة القفص الضيقة. إن حماية الكيان لن يكون بتغيب الفكر, أو تهميش دور المثقفين من خلال سريان مفعول حالة الطوارئ, ومنع افكارهم من التجول.. أو إقدام المثقفين أنفسهم على فرض الرقابة بحجة حساسية المرحلة الراهنة, وطبيعتها الشفافة, مثل هذا الحالة, هي إبعاد لدورهم في عملية البناء, التي لن تتم دونهم!.

 لحماية الكيان ولضمان بقائه نحتاج أول ما نحتاج, إلى إعادة ترتيب البيت الكردي, تنظيم سلطة الأب وواجب الأم, وحقوق الأبناء والبنات.. فهذا البيت تعرّض إلى العديد من الهزات العنيفة على مدى أكثر من نصف قرن..  وتعرض إلى أكثر من حملة تفتيش ومداهمة. وتعرضت أركانه إلى فوضى مقصودة, فاعتاد ساكنوها بمرور الأيام, على النوم في المطبخ, وتناول وجباتهم  في غرف النوم.

 صار السكين يؤدي دور الملعقة.. وأحيانا يصبح الابن الأصغر صاحب القرار ويشغل مقام ربّ العائلة يسهر إلى ساعة متأخرة بحجة رفاق السوء ويصدر أوامره الصارمة الى أفراد العائلة من فوهة مسدسه الذي لا يعرف الرأفة ويطلق الرصاص حتى على الأخ والشقيقة, كل عقدنا “الفرويدية”, وأمراضنا السارية, موجهة الينا من الخنادق المعادية.. بقصد تحطم معنوياتنا وقيمنا الروحية التي يتعارض وجودها مع توجهات الأعداء, في ترويضنا, وفي التحكم بمستقبلنا, ومصيرنا.

مطلوب تطبيق العدالة في بناء البيت الكردي بحيث تتحول إلى رذاذ يتساقط على الجميع بالتساوي, دون أن يسمح للنقض, بفتح مظلات واقية يحتمون بها, ويحمون غيرهم, فليس من العدالة في شيء ظهور طبقات وشرائح طفيلية تقتات على الدموع والآلام, وتغتني ساعة بعد أخرى, بينما يزداد عدد الفقراء, فوق خارطة الوطن الذي بدأ يضيق بهم.. ويزداد عدد الذين لم يبقَ في بيوتهم شيء, ينفع البيع والمقايضة.

وغياب إدارة عادلة, تنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتتكفل بتأمين غذاء الشعب, وأمنه وتربيته, وتطويره وتحصينه, معناه حدوث أعضاء في المجتمع, وقد لا يكتفي الإعصار بهز الأركان, بل ربما تعدى مرحلة التدمير.

ودون العدالة, نحن سائرون إلى عصر الهزيمة, والذي لا يجيء, إلا حين تمنع أمة, من استعمال شفاها, وحين تغلق الزنزانات أبوابها وتمتنع  عن إيواء النزلاء, ويتخلى القاضي عن سيفه البتار ويحمل أوراقه ويغادر ..

إن الحركة الكردية  تملك “سِفرا” حافلا دوّنت فيه التفاصيل الدقيقة التي تفوق عدد ذرات الرمل الراقدة حول شواطئ أنهارنا منذ آلاف السنين…والذين يتصورون أن الشعب بلا ذاكرة يوهمون أنفسهم قبل أن يوهموا غيرهم.

إن مسئولية بناء البيت الكردي يتطلب وضع حدّ للكثير من المنتفعين. أجسادنا التي صارت تمشي على رؤوسها هي مسؤولية السياسيين ومسؤولية الثوار.. ومسؤولية رجال الدين الذين قهروا الظلام بإرادات قوية عاشت على ما أغدقه عليهم الفلاحون في حجيرات التنوير, فحفروا حروف الله وكلماته في أدمغة الرجال, أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.. هي واجب المثقفين الذي رفضوا أن يصبحوا باعة متجولين.. ورفضوا أن يمسكوا دفاتر حسابات أبناء المهربين أو يعملوا حمالين في مخازنهم السرية والعلنية.

فلتتحملوا مسؤولياتكم, قبل أن يحلّ عصر. يصبح فيه عظماء الأدباء الكرد أمثال المير جلادت بدرخان و الملا أفندي والبريفكاني, وغيرهم إلى أصحاب دكاكين تتعامل بالماد المهربة والممنوعة. تحركوا قبل أن يصبح شعراء الكرد أمثال خاني وبابا طاهر والجزيري وجكرخوين وغيرهم إلى سماسرة في سوق العملات الأجنبية والتي ترتفع أسعارها يوما بعد يوم.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 39 بتاريخ 2016/3/15  

36                                                                                                                                                    

التعليقات مغلقة.