زيارة أوغلو لطهران للتآمر أم للاستثمار؟

45
التقاط
حسن جنكو

” علينا أن نجّنب أنفسنا قدر الإمكان ولو نسبياً نار الصراع في المنطقة وألا نكون جزءاً من سياسة محاور الشر والعدوان التقليديين, وليست لدينا القدرة التي تؤهلنا للعب هكذا دور, وبالإمكان تعزيز الموقف الكردي والاستفادة من الظروف والثغرات كمحاربة داعش أنموذجاً, وتبنّي خطاب كردي موحّد يخدم حقوق الكرد “

   كانت معركة جالديران ” جار ديران”1514 م  قد نصت على أول تقسيم لكردستان بين الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الصفوية, ومنذ ذلك التاريخ وتدور الدائرة على الكرد, كم من ثورة أشعلها الكرد لتحقيق طموحاتهم ضد هذا الطرف أو ذاك وأُخمدت بفعل التعاون والتآمر قديماً وحديثاً بين ايران وتركيا.

أما آن الأوان كي يتعظ الكرد من التاريخ, أليس في التاريخ درس عبرةٍ وعظةٍ يضيء للإنسان سبل الواقع ليتجاوز السلبيات والأخطار ويُنمّي الإيجابيات وتصحيح المسار؟.

قالها جونانثان راندل السفير الأمريكي لدى ايران زمن الشاه ومؤلف كتاب ” أمة في شقاق” ما يحقّقه الكرد في ميدان المعارك وفوق قمم الجبال بقوة السلاح يخسرونه على طاولة المفاوضات، هي قولة حق, لم يخسر الكرد في معركة أمام أعدائهم لكنهم يعجزون عن تحقيق أي تقدم في المفاوضات حين تضيق عليهم مساحة المناورة، وتتسع أمامهم جبهة الأعداء بسبب التآمر وتحقيق المصالح.

الذاكرة الكردية للأسف تبدو وكأنها لا تحتفظ بشيء من آلام الماضي أو أنها باتت مثقوبة لا تتعظ بما مضى تنسى أو  تتناسى مواقف الأنظمة الغاصبة لكردستان, التي تؤجل كل خلافاتها وتستنفر قواها حين يتعلق الأمر بالطموح الكردي.

في مطلع التسعينيات من القرن الماضي اتفقت الدول التي تقتسم كردستان “ايران- تركيا- عراق- سوريا” أن تجتمع لجانها المختصة لمتابعة الملف الكردي وملاحقة الكرد وضربهم في الأجزاء الأربعة على طول الحدود المشتركة بين الدول الأربعة، وهل ينكرنّ عاقل بأن الأجهزة الأمنية لهذه الدول لا تتواصل حتى اللحظة رغم خلافاتها العميقة ولا تتفق في نهاية المطاف طالما الأمر يتعلق بالكرد.

أوغلو يتوسل أو يستثمر في ايران لا فرق بعد أن هدّد جون كيري باللجوء إلى النقطة باء إن تعذرت المفاوضات الخاصة بالأزمة السورية وروسيا لمّحت إلى الفيدرالية كحل مناسب لمستقبل سوريا, إذن وجد أوغلو ضالته المنشودة كالمعتاد وعلى مر التاريخ في ايران بعد أن فقد كل أوراقه المتعلقة بالصراع في سوريا, لتشارك الدولتان ايران وتركيا في أي حل يتعلق بالأزمة السورية ووفق منظورهما ولِمَ لا؟ هي شرعة وقانون هاتين الدولتين تفقدان صوابهما وتؤجلان خلافاتهما على عجل عندما يتعلق الموضوع بخصوصية كردية.

صمد القادة في إقليم كردستان العراق أمام تحرشات ايران وتركيا ومحاولاتهما جر الإقليم الى معركة غير متكافئة لكن استمرت قيادة الإقليم على علاقات ايجابية مع الجوار مع أن المدفعية الايرانية كانت قبل 2011 تقصف القرى والبلدات الكردستانية, دون أن ترد عليها القوات الكردية التي فضلت قبول الأمر بحكمة ودراية.

المدن والبلدات الكردية في كردستان الشمالية تتحول اليوم إلى ركام وأمام أنظار العالم ويُمنع نشر آثار الدمار والقتل اليومي في الإعلام, بحيث لم تترك الفاشية التركية وسيلة للقتل والتدمير دون أن تلجأ إليها.

أخيراً وليس آخراً سيلجأ السادة في طهران وأنقرة دون تردد لوأد طموحات الكرد, ولا ضير في أن تذهب التضحيات الجسام للكُرد أدراج الرياح.

علينا أن نجّنب أنفسنا قدر الإمكان ولو نسبياً نار الصراع في المنطقة وألا نكون جزءاً من سياسة محاور الشر والعدوان التقليديين, وليست لدينا القدرة التي تؤهلنا للعب هكذا دور, وبالإمكان تعزيز الموقف الكردي والاستفادة من الظروف والثغرات كمحاربة داعش أنموذجاً, وتبنّي خطاب كردي موحد يخدم حقوق الكرد. تُرى هل نتّعظ قبل فوات الأوان ونتفق على رؤية كردية تخص الكرد في كردستان سوريا قبل حلول الكارثة, أم ننتظر انبعاث طائر الفينيق من الرماد, أم تظل الآذان صاغية لهمس شياطين الشر ليحدث ما لا يحمد عقباه.

حسن جنكو *عضو الهيئة العاملة في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا .

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد بتاريخ 2016/3/15

36

التعليقات مغلقة.