تقسيم سورية . . . . بحكم المؤكد

34

أكرم الملا

اكرم ملا

” من الجدير بالذكر أن الفدرالية التي تتبناها “الإدارة الذاتية” وتطرحها الآن بعيدة كل البعد عن تأمين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في كوردستان سوريا، هذه الحقوق التي تنطلق من فكرة أن الكرد في كوردستان سوريا يعيشون على أرضهم التاريخية ولهم الحق في تقرير مصيرهم وفق اللوائح والقوانين الدولية التي تنص على ذلك. “.

في الفترة الأخيرة، كثر الحديث عن التقسيم وقيام كيانات قومية وأثنية، خاصة بعد التدخل أو بالأحرى الغزو الروسي لسورية جوياً والدمار الممنهج لمناطق بعينها وجماعات دون غيرها.

إن الإحداثيات الجغرافية للقصف الروسي تدل وبالمطلق على رسم حدود واضحة وصريحة لخلق “سورية المفيدة” حيث القصف يتركز على حدود هذه “الدولة” دون التعرض لمواقع “داعش” ومناطق تمركزه و”عاصمته” مدينة الرقة أو تدمر وحتى دير الزور، حيث التواجد الكثيف سياسياً وعسكرياً للتنظيم الإرهابي في هذه المدن الكبيرة.

بعد أن ثبتت روسيا أقدامها وبصلابة في الحدث السوري، بدأت بمسك زمام الأمور السياسية إضافة إلى العسكرية والبدء ببناء علاقات أو بالأحرى جر بعض القوى الفاعلة على الساحة السورية إلى جانبها وذلك بتقديم مغريات عسكرية وسياسية، وهذا ما جرى بالضبط مع قوات سوريا الديمقراطية وبشكل استثنائي، هذه القوات التي تتشكل في غالبيتها من وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD ) حيث بدأت روسيا بتقديم الذخيرة والسلاح والأهم من ذلك كله تأمين الغطاء الجوي لهذه القوات لتتقدم في ريف حلب الشمالي بالقرب من الحدود التركية وبالفعل تقدمت هذه القوات بشكل ملحوظ تجاه المناطق المحاذية للحدود التركية، التي بدورها أبدت قلقها بل رعبها من هذا التطور الخطير بالنسبة لها، وهي تعلم علم اليقين أن روسيا تقف وراء هذه التطورات الأخيرة.

في سياق هذه المستجدات العسكرية، كان هناك مسار سياسي وبالتوازي مع العسكري حيث بدأت بعض التلميحات في الإعلام حول اعتماد الفدرالية كشكل للحكم في سورية، دون ملاحظة ردود فعل واضحة وصريحة من قبل النظام السوري تزامناً مع إعلان “الإدارة الذاتية” تبنيها المفاجىء وغير المتوقع لشكل النظام الفدرالي، الذي رفضته هذه “الإدارة” بذاتها في اتفاقيات هولير ودهوك المتتالية بينها وبين المجلس الوطني الكردي، وهذا يدل على أن هناك وعود روسية لهذه الإدارة بتحقيق هذا المشروع، ولست مخطئاً عندما أقول وعود روسية، كونها هي تملك زمام القرار السياسي في سورية وهي التي تضمن موافقة الشلة الحاكمة في دمشق التي لاحول لها ولا قوة.

إن الدعم الروسي للفدرالية في سورية والتصريحات الإعلامية الرسمية من موسكو عن الكرد وحقوقهم والغبن الذي لحق بهم لغياب الإنصاف التاريخي بحقهم، ليست إلا مناورات سياسية ممزوجة بدبلوماسية الأمر الواقع في سورية والحسم العسكري الميداني، كل هذه العوامل مجتمعة ستكون في خدمة الطرح “المؤجل” حتى الآن لتقسيم سوريا، حيث الشكل الفدرالي المطروح سيؤدي بالتأكيد إلى اعتماد مبدأ التقسيم المنشود روسيّاًّ ونظاماً، وبذلك ستكون الجغرافيا الموالية للنظام من المرشحين الأساسيين بل المستعدين والمجَهَزين لهذا المشروع. من الملاحظ أن روسيا لا تريد أن تحرج نفسها بهذا الطرح للمنطقة الساحلية، كي لاتُتَهم بطرح طائفي لحل الأزمة في سورية، أما دعمها للكرد في هذا، تبرره بأن الكرد هم واقعياً يديرون مناطقهم ولا مانع من تعميم الشكل الفدرالي على عموم سوريا ومن ضمنها المنطقة الموالية امتداداً حتى دمشق العاصمة وجنوبها، حيث القصف الجوي الروسي يرسم وبإصرار حدود هذه “الفدراليات”.

من الجدير بالذكر أن الفدرالية التي تتبناها “الإدارة الذاتية” وتطرحها الآن بعيدة كل البعد عن تأمين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في كوردستان سوريا، هذه الحقوق التي تنطلق من فكرة أن الكرد في كوردستان سوريا يعيشون على أرضهم التاريخية ولهم الحق في تقرير مصيرهم وفق اللوائح والقوانين الدولية التي تنص على ذلك. وما صمتُ نظام الأسد بالردّ على هذا الطرح، إلا دليل قاطع على أن الشكل المطروح لا يتضمن مشروعاً قومياً كردياً في خدمة المشروع القومي الكردي الأكبر والمنشود.

ومما يؤكد على تقسيم سورية، إضافة لما ذكرناه، هو الموقف الذي أعلنت عنه إسرائيل، الغائب الحاضر، في الأزمة السورية وعلى لسان أكبر شخصيتين أمنيتين فيها، وزير الدفاع ورئيس المخابرات، بأن سورية لم تعد كما كانت وأن التقسيم هو الحل الأنجع والخلاص الأوحد لهذه المنطقة.

نُشر هذا المقال في العدد 38 من صحيفة “Buyerpress”

2016/3/1

02

التعليقات مغلقة.