حرية الكرد في وحدتهم

39

 

012موطن الكرد “كردستان” مساحة محددة من خارطة الشرق الأوسط متصلة جغرافياً ومتكاملة اقتصادياً، وهذا عامل يضاف إلى عوامل بناء القومية (التوحد والاشتراك في التاريخ واللغة والثقافة، العادات والتقاليد، الارادة والمصير، والسمات..)، لتكوين الأمة الكردية، التي ارتبطت مع الأرض بأنظمة سياسية مختلفة فشكلت كيانات وبنت حضارات منذ غابر الأزمان وعبر مختلف العصور كإمبراطورية ميديا ودولة ميتان وامارة بوطان (على سبيل الذكر لا الحصر)، وأصبحت دروعاً للشرق بملله ونحله وجميع عقائده ومعابده، عصية بجبالها الأشماء وحصينة بفرسانها الأشداء، تصدت للهجمات البربرية وقاومت الغزوات العاتية الآتية من الشرق والغرب كالمغول والافرنجة. كانت وحدة القيادة والصفوف سر الصمود والتصدي ولغز الانتصار والتفوق، لذلك سعى الغزاة والمحتلون إلى تطبيق قاعدة فرق تسد الاستعمارية في كوردستان، ونجحت في تقسيم الأرض وتمزيق الشعب، وكانت التجزئة الأولى بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية بعد معركة چالديران 1514م، والثانية بين أربع دول- تشكلت بعضها حديثاً- بموجب اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية 1916م، ومنذ تلك الأحداث المؤلمة والمقيتة والكرد يعانون القهر والصهر بشتى الوسائل والأساليب، لكنهم بالرغم من ذلك فقد حافظوا على خصائصهم ومقوماتهم، وأصروا على البقاء، واستمروا في المقاومة والنضال من أجل تحرير البلاد واستعادة الحقوق واسترداد الأمجاد، وإنهاء الاضطهاد والاستبداد. لقد كرس أعداء الكرد التشرذم والشقاق في صفوف حركتهم التحررية وفق معايير أيديولوجية ودينية ومذهبية ومناطقية وعشائرية..، وبثت فيها العداوات والصراعات والخلافات التي كانت أسباباً رئيسية في إطفاء الثورات وإخماد الانتفاضات في كافة أجزاء كردستان (كثورات النهري والحفيد وپيران والجنرال إحسان باشا.. وغيرها) ، لذلك كان الشعار الأساسي والأسمى الذي كان يرفعه عقلاء الكرد وزعماؤهم في جميع مراحل الكفاح هو الوحدة، لأنه السلاح الأمضى والأجدى في معارك التحرير والاستقلال. الوحدة لا تعني في كل الأحوال الاندماج والالتحام، إنما تتم بالاعتراف بالآخرين، واحترام مواقفهم وآرائهم والتوافق معهم في ايجاد القاسم المشترك لأفكار وأجندات جميع الأطراف على أساس خدمة المصالح العامة والقضايا المصيرية، وهنا يتطلب الالتجاء إلى الديموقراطية والالتزام بمبادئها وتطبيق قواعدها نظرياً وعملياً لبناء أطر تجميعية للأطراف النشطة والمكونات الفاعلة من الحركة الكردية في كل جزء على حده وللأجزاء معاً(عقد مؤتمر قومي كردي)، لتصبح مراكزاً تتكون من الخبرات والكفاءات ترسم السياسات الاستراتيجية والتكتيكية وتتخذ القرارات المناسبة زماناً ومكاناً لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة، وتتعامل مع الأحداث الطارئة والأوضاع المستجدة باهتمام ووعي وحنكة. إن المرحلة التاريخية الراهنة حرجة بتطوراتها وحساسة بتحولاتها، ومفصلية بمساراتها ومخرجاتها، وهي بذات الوقت فرصة ذهبية للكرد لإثبات الحضور والاعتبار وتحسين الأداء لنيل الحقوق القومية والوطنية والانسانية دون نقص أو تشويه، وتحقيق الطموحات والتطلعات في العيش بحرية وأمن وسلام، فالظروف الموضوعية مواتية والأجواء موائمة إقليمياً ودولياً، وما على الكرد سوى توفير العامل الذاتي وتقويته، وذلك بتوحيد الخطاب والصف داخلاً وخارجاً، من خلال تشكيل مرجعية عليا عامة تتبوأ مهام الدراسة والتخطيط والقيادة بمسؤولية وجدية وإخلاص. وكي لا يعيد التاريخ نفسه مأساوياً وكارثياً كالمرات السابقة كما حدث عند تطبيق اتفاقية لوزان 1923 في أعقاب الحرب العالمية الأولى من قبل الحلفاء، حيث حرم الكرد بموجبها من حق انشاء كيان قومي خاص بهم أسوة بغيرهم، وانهيار جمهورية مهاباد 1946 الفتية ضحية المصالح المشتركة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وانتكاسة ثورة البارزاني الخالد بسبب اتفاقية الغدر والخيانة في الجزائر1975، يجب على الكرد قراءة الظروف والأحداث الراهنة بشكل دقيق وصحيح، وتأويلها وتحليلها، والاستفادة من الدروس والعبر المستخلصة من تجاربهم المؤلمة والمريرة، واتخاذ المواقف السليمة بكل حسم وحزم، ودحض المقولة الشائعة “ما يكسبه الكرد في ساحات القتال يخسرونه على طاولة المفاوضات”. كما يجب ألّا تخضع مواقف مسؤولي الحركة الكردية وممثليها للمزاجيات الشخصية والأنانيات الحزبية والخلافات البينية، وألا ترتبط بالمحافل والمناسبات والمراسيم، وألا ترهن للاتفاقات والتحالفات والائتلافات أياً كان نوعها ومصدرها، وألا ترضخ للصفقات والمساومات والمزايدات مهما كان شكلها، وألا تقحم في الصراعات الدينية والطائفية والعرقية القائمة بفداحة وفضاحة، بل تكون محدداتها ومعاييرها (فقط)خصائص القضية ومضامينها ومآلاتها المفروضة والمشروعة، وحواملها الوسائل المباحة والإمكانيات المتاحة، ضمن ضوابط دولية وقوانين أممية وقواعد إنسانية. على أرض الواقع الراهن فإن الكرد يحاربون الارهاب (المتمثل بداعش وأخواتها والنصرة ومثيلاتها المدعومة من قبل قوى الظلام والاستبداد، الذي يهدد الأمن والسلم والاستقرار في العالم والمنطقة)، على جبهة تزيد طولها عن 1500كم تمتد من جلولاء جنوباً إلى عفرين شمالاً نيابة عن المجتمع الدولي عامة، ويقدمون التضحيات الجسام يومياً، ومن أجل ذلك يتلقون الدعم والاسناد من العالم الحر عسكرياً ولوجستياً، وبالفعل يحققون انتصارات ملحوظة ميدانياً، ويتأملون من المجتمع الدولي المتقدم الاستمرار في دعمهم ومساندتهم، وعدم خداعهم وعدم التخلي عنهم أو المساومة عليهم ضمن صفقات أو اتفاقات كما حصلت في السابق مراراً وتكراراً، كي يتمكنوا من تحرير مناطقهم وإدارتها ذاتياً ويعيشوا فيها بسلام وأمان، ويتطلعوا نحو مستقبل يعمه الاستقلال والتقدم والازدهار، كما تقرها الشرائع السماوية والبشرية، وتضمنها العهود والمواثيق الدولية.

التعليقات مغلقة.