روجآفاي كردستان بين استراتيجية التحرير وتخاذل الأحزاب الكردية
منذ دخول المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف السوري زادت وتيرة التهجم على الشعب الكردي وبالأخص على وحدات حماية الشعب كلما تم تحرير مدينة أو بلدة أو منطقة بروجآفا كردستان, هذا التهجم الذي يأتي من قبل أشخاص من داخل الائتلاف وخارجه محسوبين على قوى الثورة والمعارضة العربية السنية ومقرها اسطنبول.
في حين لم تبادر أيّة شخصية كردية داخل الائتلاف والمجلس الكرديّ بالوقوف في وجه هذه الحملة الحاقدة والتي لا تسيء لحزب أو قوة كردية بعينها لا بل تستهدف كل الشعب الكرديّ بالجزء الكردستاني الملحق بسوريا. السكوت غير المبرر من قبل الكرد في الائتلاف أثار اسئلة كثيرة من قبل المتابعين للشأن السوري ولا سيما الكردي منه. كجدوى السكوت على الأصوات الشوفينية داخل الائتلاف وهل من ثمن لهذا السكوت، فيما يتحجّج المجلس الكردي باتفاق مع المعارضة العربية يضم كامل حقوق الشعب الكردي لم يسمع عنه أحد ونتائجه ظاهرة للعيان. فـاسم الجمهورية العربية السورية لم يتغير, ومناهج الائتلاف أكثر عنصرية من مناهج النظام السوري, وتعامل الشخصيات العربية بقوى المعارضة مع الكرد فيها هي كمعاملة السيد للعبيد. وكلّ يوم يخرج بيان من الائتلاف ينكر فيه أي حقوق كردية دون أي اطلاع من قبل ممّثلي المجلس الكردي الذين هم شركاء معهم. فما هو يا ترى سرّ سكوت الكرد داخل الائتلاف على كل هذه الإهانات والاستخفاف من شأن الكرد وقضيتهم. قد تكون هناك أسباب عديدة تتعلق بمدى أنانية الشخصية الكردية وفقدانها الثقة بنفسها والتي تربّت على أيادي أحزاب كلاسيكية ذو طابع بعثيّ هرم يعتقد أن أي انتصار شخصي هو انتصار لكامل الأمة الكردية, أو اعتقاده بأن أي وقوف بوجه المعارضة سيكون معناه وضع المجلس الكرديّ بصفّ النظام أو تحاشي المجلس عن أي موقف لعدم إثارة العرب واتهامهم بالانفصاليين وهذا ما يخشاه المجلس وما يفعل المستحيل لعدم إلصاق هكذا تهمة بنفسه, أو ربما يعتقد قيادات أحزاب المجلس الوطني الكرديّ بأنهم يستطيعون منافسة حزب الاتحاد الديموقراطي PYD عن طريق تلك البيانات التي يتغاضون عنها، وفي اعتقادي هذا خطأ كبير واستغباء لعقول شعبنا الكردي في روجآفاي كردستان المؤمنين بغالبيتهم بالحقوق القومية للشعب الكرديّ كقضية أرض محتلة وشعب مضطهد، ويتمتعون بدرجة عالية من الثقافة والتاريخ والجغرافية، وقد عانوا الأمرّين من الحكومات المتعاقبة على حكم دولة سوريا المصطنعة التي فرضها الاستعمار الغربي في معاهدة سايكس بيكو المشؤومة، ولن يقبل شعبنا الكردي بحقوق المواطنة بعد اليوم.. وشعبنا يدرك جيداً بأن الحقوق لن يتصدق بها أحد، بل بالدماء والمقاومة البطولية ودموع أمهات الشهداء, ولهذه الأسباب لا يمكن أن تنافس أحزاب متخاذلة مازالت مريضة بالفكر الإقصائي وانتظار أن تأتيهم كردستان حرة على طبق من ذهب، بحجة الثورة السورية أو تحت أية ذريعة كانت، بل المنافسة الحقيقية تكون بالتواجد الميداني و تبني الأفكار والشعارات التحررية الكردستانية فقط لا غير، فشعبنا لن ينسى “جالديران” وأهوالها ولن يكون بيدقا بيد أي طرف يحتل كردستان ولن ينسى الغدر والخيانة التي تلقفها من المحتلين الذين قضوا على الإمارات الكردية التي كانت مستقلة، حيث قصمت جالديران ظهر كردستان وشعبنا وقامت بأول تقسيم إجرامي بحق كرد وكردستان.
أما الائتلاف فله تجربة مريرة مع المكوّن الكرديّ وبالأخص مع الشهيد مشعل التمو الذي كان لا يساوم على أية حقوق كردية. وآخر موقف له تجاه تجاوزات المعارضة للحقوق الكردية كان بمؤتمر الانقاذ الوطني16-7-2011 في تركيا, حين تمّ تغيير البيان الختامي للمؤتمر وأنكروا ولم يشيروا لأي مصطلح يبيّن فيه حقوق الكرد, فجاء الردّ من مشعل تمو وقال كلمته المعروفة: “لن نقبل أية مساومة على الوجود والحق الكرديّ في الجزء الكردستانيّ الملحق بسوريا، وسنعمل على بلورة رؤية قومية تحقق طموح شعبنا الكردي في الحرية” ومن ثم انسحب من المؤتمر. هذا ما أدى بالائتلاف للتصعيد منذ الأيام الأولى لانضمام المجلس سيّما اعتماده على مواقف سابقة لهذه الأحزاب في ردّ الأحزاب الكردية على انسحاب مشعل تمو حين أرسلوا برسالة للمعارضة السورية يقولون فيها: “نحن الأكراد نرفض رفضاً قاطعاً مقولة الجزء الكردستانيّ الملحق بسوريا على لسان السيد مشعل التمو الذي لا يمثل غير نفسه ونعتبر أن هذا الشخص الذي ظهر منذ فترة قصيرة على الساحة الكردية شخصاً غير مرغوب فيه لأنه لا يبحث إلا عن مصالحه الشخصية” فجاءت هذه المواقف من الأحزاب الكردية كدعم للمعارضة السورية في رفض أيّ مشروع كرديّ يطرح عليهم, ولا داعي أصلاً بالتفكير بهكذا أمور طالما هذه هي مواقف تلك الأحزاب التي تريد أن تصبح شريكة في الائتلاف. وعندما لم يرَ أيّ ردّ من المجلس الكرديّ بل قام المجلس بالالتفات فقط لمصالحه الضيقة حينها أدرك المعارضون العرب أن المجلس الكرديّ هو هدية لهم من السماء, فيقومون بإنكار الحقوق الكردية من جهة, ولديهم الحجة المقنعة في المحافل الدولية بشان القضية الكردية ألا وهي وجود الكرد بينهم متمثلاً بالمجلس الوطني الكردي من جهة أخرى . وبعد إدراك المجلس الكرديّ وثقته بوصولهم إلى أدنى مستويات العمل وفقدان صيته وشعبيته قرر محاولة إعادة الروح لهذا الجسد الميت, وذلك بالقيام بنشاطات عديدة لم تكن كافية لتغيير رأي الشارع الكردي بهم. فتأكد المجلس أنه لم يعد هناك حلّ أمامه سوى الهروب إلى الأمام وتبني المشروع القومي دون امتلاك أيّة آلية أو وسيلة أو أرضية أو حتى توافق داخل المجلس, فكانت النتيجة هي اللعب على الوتر العاطفيّ للبقية الباقية من الشعب الكرديّ وايهامه بأنه الحامل للمشروع القوميّ الكردي مع ثقته التامة بأن هكذا مشاريع لا تكون بشعارات عاطفية, بل بجيش من العقول والمستشارين والاعلاميين ومن يضعون الاستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى, وبشخصيات ذات كفاءات وعلاقات دولية واقتصاد ومشاريع خدمية وتوازنات اقليمية . بينما جاءت سياسة الأحزاب داخل حركة المجتمع الديمقراطي “Tev – Dem” معكوسة عن سياسة المجلس, حيث كانت ترفع الشعار القوميّ بالبداية وتصعّد حتى تشكيل مجلس الشعب لغربي كردستان ثم بدأت تتخلى شيئاً فشيئاً عن المشروع القوميّ وحلّ مجلس الشعب لغربي كردستان والإبقاء على حركة المجتمع الديمقراطي وعدم إلحاق أيّة تسمية كردية لا بالمقاطعات التي قام بتأسيسها ولا بالقوات الكرديّة المقاتلة أو بأي مشروع في المنطقة التي هي تحت سيطرتها وكانت النهاية بمشروع مجلس سوريا الديمقراطي, وهذا يعتبر غبناً بحق الشعب الكردي وكل المقاتلين الذين لا ولن يقاتلوا إلا في سبيل حرية الشعب الكردي وأرض كردستان . إن تشكيل مرجعيّة كردستانية مستقلة من المثقفين والمفكرين القوميين الكرد مهمتهم إيجاد الحلول والضغط على جميع الأطراف بضرورة الاتفاق على حق تقرير المصير للشعب الكردي ورسم استراتيجية قومية ووطنية واتخاذ الأمن القومي الكرديّ كخطّ أحمر لا يسمح بتجاوزه كائنا من كان, سيكون له الفائدة الكبيرة لكل الأطراف وفي مقدمتهم الشعب الكرديّ وقضيته العادلة .
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 36 بتاريخ 2016/2/1
التعليقات مغلقة.