أن نكون أو لا نكون

31

1 ولتبرهن هذه القيادة للقريب قبل الغريب, بأن الكردي عندما يصل به الأمر إلى مرحلة, (أن نكون أو لا نكون) يسامح ويتسامح ويتعالى عن الجراح ثم  يتوحد في سبيل الوطن والقضية”

تجلّ الطرح القومي في كردستان الغربية أواخر القرن التاسع عشر؛ نتيجة بروز حركات التحرُّر الوطنيّة المطالبة بالحرية والاستقلال في المنطقة والعالم، ومنها الحركة التحررية الكردستانية, فجاءت الثورات والانتفاضات الكردية نقطة تحول في حياة شعبنا الكردي في سوريا, ولتصقِّل المفهوم القومي مترافقاً مع مضامين الديمقراطية, بعيداً عن التعصُّب والشوفينية القائمة على إلغاء الآخر وإنكار حقوقه, أنّ هذه الانطلاقة العادلة شكّلت دافعاً قوياً لدى النخب الكردية لزيادة وتيرة التحرك واللقاءات وتأسيس الجمعيات, تمخضت عن عنها, ولادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا, في الرابع عشر من حزيران عام 1957 تجسيداً لتطلعات الشعب الكردي في الحرية والاستقلال, أسوة بغيره من شعوب المنطقة والعالم.

إنّ التمازج بين الحقوق القومية الصرفة للشّعب الكردي, وتحديد ماهيته, من جهة وبين والحقوق الوطنيّة والديمقراطيّة للآخر- المختلف قومياً ودينياً في الأجزاء الأربعة من كردستان- من جهة أخرى, زاد من الزخم وعدالة القضية الكردية, وأكسبتها صداقات هامة, على المستويين الرسمي والشعبي في أرجاء المعمورة, خاصة بعد اندلاع ثورة ايلول (1961) في كردستان العراق, بقيادة الملا (مصطفى بارزاني) وربط النضال القومي بالوطني في العراق (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان) وصولاً لاتفاقية آذار (1970) القاضي بمنح الكرد حكما ذاتياً, والإقرار الدستوري بوجوده في كردستان العراق, وعلى الرغم من تنصل الحكومة العراقية من تنفيذ مخرجات الوثيقة الموقعة بين الجانبين, والمتعلق بترسيم الحدود ومدينة كركوك, لكن الاتفاقية, بقيت انجازاً هاماً للشعب الكردي, وثورته المباركة, واعترافاً أممياً بوجوده.

إنّ عمليات الانفال عام (1985) ضد الكرد, واستخدام الأسلحة الكيمياوية, في مناطق (حلبجة وخورمال) عام (1988) وسحق الانتفاضة الكردية في آذار(1991) دفع مئات الآلاف منهم الهرب من الموت إلى الموت, حيث الخوف والبرد والجوع, مما خلق استياءً عارماً لدى الرأي العام العالمي, تجاه الطاغية صدام حسين, وممارساته الرعناء, وتعاطفاً منقطع النظير حيال محنة الشعب الكردي وقضيته العادلة, وهذا ما دفع قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية إلى إنشاء منطقة حظر جوي لحماية الكرد وصولاً إلى تحرير العراق عام (2003).

لا شك، بأنّ حكام العراق لم يتخلصوا من الإرث التاريخيّ للنظام الدكتاتوري, والعقلية التروليتارية بعد, وقد اخفقوا في تطوير وصيانة العراق الاتحادي والسير بها نحو نظام برلماني ديمقراطي متعدد الأعراق والديانات والمذاهب, لكن في الجانب الآخر استطاع  الحزبان الكرديان الرئيسيان, (PDK , YNK ) تجاوز المعادلة (الصفرية – الصفرية) في علم التفاوض السياسيّ, وإنتاج ثقافة الشراكة الفعليّة مع كافّة القوى السياسيّة في الإقليم وساهما في توسيع دائرة الشراكة السياسيّة؛ من خلال حكومة وبرلمان ديمقراطيّ منتخب وصولاً لتوحيد الموقف والخطاب السياسيّ حيال القضايا القومية والوطنية المصيريّة, مما خلق الركيزة الصلبة للاستقرار (النسبي) على المستويين الداخلي والخارجي, حيث كان الضامن الحقيقي في ديمومة العملية برمتها (سياسياً, عسكرياً) حكمة وحنكة الرئيس مسعود بارزاني على إدارة دفّة الرئاسة في الإقليم, ومتابعته الحثيثة للمتغيرات والتطورات الاقليميّة والدوليّة, ونجاحه في تثبيت دعائم, ما بعد الفيدرالية – رغم المنغصات – والعمل ضمن قاعدة الممكنات بعيداً عن الصخب الإعلامي والإعلاني, وجدارته في الموائمة الدقيقة بين المصالح القومية العليا والمصالح الوطنية والإقليمية والدولية.

إنّ السرد الموجز لأبرز مراحل تطور القضية الكرديّة في كردستان العراق؛ تفيدنا بأنّ        تحقيق المكاسب القوميّة والديمقراطيّة في أي جزء من كردستان سيؤثر ايجاباً في الأجزاء الأخرى, وأنّ أي انكسار في هذا الصدد سيحقق النتيجة ذاتها وفي الاتجاه المعاكس انطلاقاً منه، فالحركة السياسية الكردية في كردستان سوريا شديدة التأثُّر بما تحققت من انتصارات في الإقليم, لا بل تعتبرها انتصارات قومية للأمة الكردية, وما يشفع للحركة -رغم آفّة التشرذم والتي تجاوزت تخوم التعددية المسموحة بها وفق جميع الأعراف- هو تمسكها الصارم بالحقوق القومية, وربطها بقضية الديمقراطية والعدالة في البلاد في إطار دولة اتحادية ديمقراطية ذات نظام برلماني تعددي تضم كافة المكونات “الاثنيّة والدينيّة والمذهبيّة”.

اليوم وفي الوقت الذي تتجه أنظار العالم والسوريين- ومنهم الكرد- نحو مركز القرار الدولي في نيويورك وجنيف لإيجاد حلّ سياسيّ للأزمة في البلاد, ويضع حداً لمعاناة المواطن الطويلة ويجنبه بلاء الاستبداد والدكتاتورية في ذات الوقت تخرج جهات تنتمي لرحم الأمة الكردية تنادي بتخليها عن التطلعات القومية لبني جلدتهم, وتناهض نهاراً جهاراً؛ مبدأ قيام الدولة الكردية, أو تشكيل كيان كرديّ على أساس اثني, دون أن تضع في حسبانها دماء مئات الآلاف من الشهداء, وعشرات الانتفاضات والثورات الكردية على مرّ العقود. من أجل التحرُّر القومي, وتقوم بتدوير الزوايا بدلالة توجهاتها السياسية الخاصة, وليّ عنق الحقيقة لمقتضيات حزبوية ضيقة, تبعدنا عن وحدة الصف والموقف, لا بل تقربنا جميعاً من حافة الهاوية, وتضيف بعداً جديداً لبعثرة الجهد والوقت والمال, وتؤجج تكريد الصراع المتعلق بماهية الشعب الكردي, وعدالة قضيته القومية, وهو ما أخفق فيه النظم الغاصبة لكردستان عن تحقيقه سياسيّاً وعسكريّاً على مرّ الزمن.

على قادة ومسؤولي الحركة السياسية الكردية في كردستان سوريا, أن تقرأ المرحلة الراهنة بعمق ودراية, وأن تكون بمستوى المسؤولية التاريخيّة الملقاة على عاتقها, وتجانب المصالح الشخصيّة والحزبية والجهوية – ولو إلى حين – وتشدّ الرحال نحو أمم الأرض في مشارقها ومغاربها, وتستقرّ في مراكز القرار الدولي, وفي جعبتها خطاباً سياسياً موحداً؛ أساسها الرؤية السياسية الموقعة, برعاية الرئيس بارزاني في هولير, والمزيلة بتوقيع المجلس الوطني الكردي, ومجلس شعب غرب كردستان في 23/11/2012 ولتبرهن هذه القيادة للقريب قبل الغريب, بأن الكردي عندما يصل به الأمر إلى مرحلة, (أن نكون أو لا نكون) يسامح ويتسامح ويتعالى عن الجراح ثم  يتوحد في سبيل الوطن والقضية .

*عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني -سوريا

ملاحظة : العنوان مقتبس من المثل الانكليزي الشهير (أن نكون أو لا نكون تلك هي المسألة)

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 35 بتاريخ 2016/1/15

13

 

التعليقات مغلقة.