وحشـة الإهداء إلى……….؟!

28

طهفي زيارة لأحد أصدقائي، لفت نظري كتابا كرديا على طاولته.. وعلى الأغلب الكتاب الكردي يعني بالضرورة كتاب شعري، تصفحت الكتاب، اذ وجدته لأحد أصدقائي العزيزين، لم أمر بالمقدمة اذ وجدتها طويلة، يشرح فيها المقدم الشعر على أصوله، ويفسر لنا تاريخ اللغة الكردية، وأهميتها، وقيمة الحداثة وتشعباتها في المشهد الشعري الكردي، وبالطبع مقارنا كل ذلك بحجج من قصائد الشاعر في الديوان.. كل هذا مررت عليه مرورا، ليبدأ الإهداء.. واذ وجدته كذلك أكثر من صفحة.. فلم اعره انتباها، وانما رحت أقلب صفحات الشعر.. وبحثت كثيرا ” يا ولدي..” ولم أجد ما يهزني لا من الداخل ولا من الخارج، أغلقت الكتاب وأعدته لطاولة صديقي الصيدلاني الذي أخذ الكتاب وفتحه من جديد وسألني إن كنت قرأت الإهداء وقدم لي الكتاب ثانية.

قسّم الشاعر إهداءه الى عدة مقاطع في الأول يهديه لذويه الذين ربوه وتعبوا عليه، ومن ثم أصدقائه وحزبه وكذلك لأصدقاء الدراسة وذكرياتها ..الخ.

لكن ما استوقفني حقيقة وبدهشة أنه كتب في الاهداء: أنه يحني قامته أمام أبطال وشهداء إدلب ( نعم إدلب..) ودرعا ( نعم درعا ) ودير الزور ( نعم.. نعم دير الزور ) وحمص وحماه.. وأعتقد انه مرّ الى بنش والقصير و ومنبج والقريتين.. والجولان.. ولا أدري أين كذلك، … ” بحبشت ” بين السطور والنصوص لعلي أمر بإهداء ما أو اشارة ما إلى شهداء الكرد.. أو حتى الكورد فلم أجد.. وخطرت بذهني  ” سرى كانيي ”  .. ومرت كوباني.. ومرت قامشلى.. والحسكة وجبل كزوان.. وتل كوجر.. وشيراوا.. وتل عران وتل حاصل.. ومدن وبلدات كثيرة، لم تمرّ ببال صديقي الشاعر ربما فلم يتذكرها يوم الاهداء.

بداية وقبل الحديث عن الموضوع وكي لا يفسر كلامي على وجهة أخرى، أقول ليس لدي شكّ قطّ بوطنية الصديق الشاعر، بل هو ربيب عائلة وطنية كريمة، وكان على الدوام ولا يزال قريبا من شعبه وقضاياه، ومن أوائل من كان يحاول الكتابة باللغة الكردية.. وصدف لي أن التقيت والده العجوز ذات يوم، فتعلمت منه الكثير من طيبة شعبنا، وعمقه وصدقه، فليس هنا القصد قط.

انما ما أود قوله، هو علاقة الشاعر أو الكاتب الكردي بخصوصية شعبه، ومفرداته، وتاريخه ويومياته، فمعظم كتابنا، يستمد شرعيته وثوريته أو انسانيته من خلال ” تضامنه ” مع ثوار بعيدين، أو الحديث عن شهداء آخرين، وينسى ابن جاره الثائر والشهيد، ليس لأن الثورة والشهادة لا تليقان به، بل لأن ذهنية دونية قد نمت وترعرعت في أعماقنا، حتى بتنا نتطير من بعضنا بعضا، فنرى الجميلات في الغريبات، ونرى الثوار في نيكاراغوا، وموزامبيق وزبابوي و وزبعمي كذلك، وقديما كنا نسخر من شيوعيي خالد بكداش، ونتهمهم أنهم يحكون عن نيكاراغوا وينسون كردستان وأهلها ولغتها، تلك كانت ذهنية التملق واستجداء عطف الآخرين، أما الشاعر فوحشته القاتلة تكمن في تصديقه للبريق القادم من وراء البحار، قافزا فوق خطوط الدم التي تمر من أمام باب بيته، وهذا يذكرني بصورتين تداولها الاعلام المرئي صورة لمحمد الدرة الفلسطيني اذ كتب عنها الكتاب الكرد المعلقات.. وصورة محمد الكردي في ديار بكر حيث كسًر جندرمة أردوغان يده ” لايف ” أمام شاشات التلفزيونات.. فلم يسحب كاتب قلمه ليصف الكردي وهو يتحطم على بث مباشر وحيّ.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 33 بتاريخ 2015/12/15

03

التعليقات مغلقة.