وحشة… أسماء مستعارة..!

56

طه خليلقبل سنوات وفي جلسة عن شؤون الصحافة والكتابة والكتاب الكرد، مع الصديق القاص برويز جيهاني ( قاص من شرق كردستان ) قال لي بأن السلطات الإيرانية سمحت لهم في بداية التسعينات بإصدار مجلة أدبية باللغة الكردية، شريطة ان يلتزموا بشروط الثالوث المحرم الجنس، الدين، السياسة. فوافقوا وأصدروا مجلتهم ( لم اعد أذكر اسمها للأسف ).

وكان العرف بين هيئة تحرير المجلة والرقابة يتلخص بما يلي: يتم إعداد المجلة وتقديم نسخة قبل الطباعة كاملة لمسؤول الرقابة ( وكان من الاستخبارات الايرانية )  ليدققها ويـتأكد من خلوها من الثالوث إياه. وسارت الأمور بشكل هادئ بين هيئة التحرير والرقابة، حتى سمع بالمجلة كتاب وشعراء روج آفايي كردستان واتجهوا لنشر نتاجاتهم فيها، وذات يوم وبعد تسليم المجلة للرقابة، اتصل أحد مسؤوليها برئيس التحرير برويز جيهاني، طالبا منه الحضور في اليوم التالي لأنهم لم يوافقوا على طباعة العدد، وقال لي جيهاني أنه طيلة الليل راح يدقق  في المواد المقدمة للطباعة فلم يجد فيها ما يخرق الاتفاق، وهنا بدأ القلق يدب في قلبه،” سيعتقلونني، هم يتحججون بالمجلة كي لا أختفي عن أنظارهم الخ “. وبالاختصار لم يجد السيد جيهاني بدّاً من مراجعتهم، وكانت دهشته على أشدها حين بدأ المسؤول ” يعاتبه ” ويحدثه عن قضايا الأخلاق وحرمة الكتابة، واحترام مشاعر القراء، وحين سأله: ولكن ما المشكلة.. ماذا وجدتم في ما قدمناه؟ فأجابه الرجل مرتبكا، يا أخي قلنا لا يجوز أن تتعرضوا لقضايا جنسية، فلماذا خرقتم الاتفاق.. وقدم له صفحة وقد أشار بالقلم الاحمر لاسم شاعر من روجآفا ومتسائلا:”  هل يجوز هذا.؟” هنا استرخى جيهاني.. وشكر الله في سره، وأجاب: ” آغا.. هذا لقب الشاعر ويعني باللغة الكردية شيئا آخر غير ما عنيته باللغة الفارسية.! ” وراح يشرح له معنى لقب الشاعر باللغة الكردية،( الكثير من أعضاء جسم الإنسان والألوان مشتركة بين اللغتين الكردية والفارسية. ).

قضية الألقاب والأسماء المستعارة التي يستخدمها الكتاب الكرد قضية حقيقية، والمدهش أن الالقاب والأسماء المستعارة راديكالية ، حادة، صارخة،  تنحاز للسياسي كثيرا والرومانسي حينا آخر، فثمة من يختار لنفسه في الإيحاء السياسي اسماء أو ألقاب من مثل ” برينا ولات، شورشگرێ برديوار،  دل برينادرێ بلاولا، دنگێژهڤ كتي، بێكسێ خوليسر الخ..  وفي جانبه الميلودرامي نجد: شڤ لێگرێ بێ بخت ، كزب برتيێ بريندار، خوليسرى ديوار بسرده كتي، خمجفينێ درد وآخين، وربما هناك من سيسمي نفسه “معرمعروكى سربلند ” بعد ثورة روجآفايي كردستان.

طبعا مسألة الأسماء المستعارة جاءت في الأساس لعدم كشف الهوية الحقيقة للكاتب، الذي كان مطلوبا على الدوام للسلطات المستعمرة لكردستان، والتي كانت تضيق الخناق على متنوري هذا الشعب حيث ابتلى بأقسى أنواع الأنظمة القمعية والدكتاتورية، ولكن ما كان يدعو للسخرية أن أغلبهم ممن كان يتخفى وراء تلك الأسماء كان ينشر صورته بالألوان على الغلاف الثاني لديوانه بالاسم المستعار، حيث كانت رغبة الظهور تنتصر على شعور الخوف الذي لازم الكاتب.

 قبل أيام التقيت برجل قدم نفسه لي كشاعر الأمة الكردية، وقال لي أن اسمه الأول  الحقيقي هو عبدالمناف. ق.  ولكنه اختار لنفسه اسم : ” بژن زرافێ جوان ” وتأملت الشاعر “الشاب ذا القامة الشامخة ” كما سمى نفسه فبدا لي مترهلا، وما أن وقف أمامي حتى استرخى بطنه على الطاولة، وفاحت منه رائحة عرق حريف بدا أنه لم يغتسل منذ أن كان فعلا شابا وذو قدّ ميّاس.!

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 32 بتاريخ 2015/12/1

صفحة طه

التعليقات مغلقة.