هل حقاً الأتراك جادون في تحدي الروس؟

31

أمجد عثمان” يبقى الخيار الأفضل لتركيا أن تتجنب أي صراع محتمل بينها وبين الروس ولتحقيق ذلك ليس أمامها سوى التعايش بجديّة مع الحقائق الجديدة على حدودها مع سوريا وفي مقدمتها تبلور حالة كرديّة ناشئة في مواجهة الإرهاب، والتخلي عن حلم المنطقة الآمنة “

في يوليو /حزيران عام 1974 وثقت تركيا بالناتو حين غزت جزيرة قبرص ردّا على دعم اليونان للانقلاب على نظام الحكم فيها، ونجحت القوات التركية في عمليتها، وأنزلت جنودها في الجزء الشمالي من الجزيرة وعلى إثرها سقط المجلس العسكري اليوناني في أثينا بعدها بثلاثة أيام، فسحبت اليونان قواتها من حلف الناتو منذ عام 1974 حتى عام 1980 بسبب التوترات اليونانية – التركية وأعلن عن جمهورية شمال قبرص التركية لاحقاً.

 لكن ليس من مصلحة تركيا أردوغان الإسلامية أن تفكر بإعادة مثل هذه التجارب التي اجتازتها بنجاح آنذاك تركيا الاتاتوركية العلمانيّة في مواجهة اليونان (الأرثوذكسية)، أضف أن الناتو كان بحاجة لدور تركيا في مواجهة روسيا الشيوعية، بينما تركيا اليوم يحكمها أحفاد العثمانيين ومتهمة بدعم التطرف الديني في سوريا في حين تزداد التفاهمات بين امريكا من جهة وروسيا المحافظة من جهة أخرى حول ضرورة مواجهة الإرهاب التكفيري الذي بات يهدد الأمن والسلم العالمي.

والقول بأنّ تركيا لاتزال عضو في حلف الناتو وبإمكانها مبارزة الروس بشكل مباشر على حدودها مع سوريا وإسقاط المزيد من الطائرات قول مبالغ فيه، فعضويتها في النادي العسكري الغربي لم تمكنها خلال أربع سنوات مضت من مبارزة القوات الدّاعمة للنظام السوري على الأرض، عدا عن أنّه لم يبرر لها بشكل نهائي دعمها ومساندتها للتشكيلات العسكريّة المناهضة للنظام كما أن اتهامات بدعم التنظيمات الإرهابية كالنصرة وداعش والجبهة الإسلامية تُوجه بجديّة لتركيا من قبل بعض الأوساط المقربة للناتو إضافة إلى تصريحات من مسؤولين في دول الناتو كنائب الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي ورغم تراجعه عن اتهامه لتركيا بدعم الإرهاب إلا أنْ تكرار هذه الاتهامات والتلميحات لتركيا يؤدي بالنتيجة إلى تشويه حضورها السياسيّ العام ويجعل الذهنيّة العالمية تتعايش مع فكرة دعم تركيا للإرهاب.

منذ البداية خشيت تركيا أن يرتشح الوباء عبر حدودها إذا ما تأخر التوصل إلى حل للموقف في سوريا لذا بدت تركيا من أكثر الدول الضاغطة للتعجيل؛ بفرض نموذجها لحل الأزمة السورية ولتحقيق ذلك استضافت المعارضة السورية الخارجية ودعمت التيارات السورية القريبة من توجهها كالإخوان المسلمين وتيارات إسلامية أخرى سياسية وعسكرية.

 ورغم اختلاف الروس والأمريكيين حول تحقيق مصالحهما الحيويّة لكنهما لن يختلفا تجاه فكرة أسلمة المنطقة عبر تعميم التجربة التركية بقيادة أردوغان منذ عام 2002 خصوصاً عندما يتعلق الأمر بخطط واستراتيجيات طويلة الأمد لمواجهة الإسلام السياسي وتجفيف منابعه، بدلاً من محاربة فروع إرهابية صغيرة ومتفرقة في بلدان مختلفة، ويشبه التصعيد الروسي – التركي والتجييش الذي تلا إسقاط الطائرة الروسية “طلقة سراييفو” خصوصا وأنّ تركيا يقودها رجل عنيد كأردوغان و تركيا شهدت نمواً اقتصادياً سريعًا في فترة حكمه، كذلك روسيا التي يقودها عنيد آخر مثل بوتين والذي شهد اقتصاد روسيا بفضله نمواً مضطرداً كذلك.

المرحلة القادمة ستشهد تطورات مهمة في الملف السوري وربُّما على مستوى المنطقة فالمؤتمرات التي انعقدت خلال أربع سنوات من عمر الأزمة في سوريا بدءً من جنيف وصولاً إلى فيينا لم تقدم سوى حلول وتصورات نظريّة ولم تنجز أي تغيير حقيقي أو تنازل في مواقف الدول الإقليمية والدولية تجاه مصالحها في سوريا علّه يفضي إلى حل النزاع الذي كلف السوريين ربع مليون شهيد وملايين النازحين والمهجرين وتدمير عشرات المدن والمئات من القرى، فقد فشلت سياسة الحرب بالوكالة وبدأت سماء سوريا تتحول إلى محفل لطائرات أممٍ غير متحدة حول مستقبلها.

إن أي تصعيد عسكري محتمل اليوم بين روسيا وتركيا سيكلف الأتراك كثيراً وسيؤثر بشكل مباشر على طبيعة وشكل الدولة التركية خصوصا وأن تركيا تعاني من مشاكل داخلية كبيرة وستؤدي أي حرب محتملة إلى تحفيز فئات داخلية في تركيا للتحرك نحو تحقيق أهدافها ونيل حقوقها، خصوصاً وأن روسيا إن حاربت فستحارب بعيداً عن حدودها على عكس تركيا التي تحارب في أرضها وعلى حدودها، و السؤال الأهم سيدور حول الموقف الأمريكي الحقيقي من الصراع بين الحكومة التركية المسلمة وحكومة روسيا المحافظة التي تقبض على إرث هائل من العداء تجاه الغرب وأمريكا.

لذلك يبقى الخيار الأفضل لتركيا أن تتجنب أي صراع محتمل بينها وبين الروس ولتحقيق ذلك ليس أمامها سوى التعايش بجدية مع الحقائق الجديدة على حدودها مع سوريا وفي مقدمتها تبلور حالة كرديّة ناشئة في مواجهة الإرهاب، والتخلي عن حلم المنطقة الآمنة الذي تتمسك به، وأن تهتم بمراجعة سياساتها الداخلية أولاً فالاستقرار الحقيقي المبني على النمو الاقتصادي يجب أن يترافق بخطوات جريئة للانفتاح على حلول جذرية للمسائل السياسية المتعلقة بالحقوق القومية والثقافية للشعوب والديانات المتنوعة في تركيا.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 32 بتاريخ 2015/12/1

مقالات

 

التعليقات مغلقة.