عيون وآذان (بوتين وأردوغان “يستاهلوا بعض”)
العلاقات بين روسيا وتركيا سيئة وستسوء أكثر، فالسلطان رجب طيب أردوغان قضم أكثر مما يستطيع أن يبلع بإسقاط الطائرة الروسية على الحدود مع سورية، والقيصر فلاديمير بوتين يملك وسائل الانتقام.
كنت توقعت أن تُفلِح وساطات قادة الدول في قمة المناخ في فرنسا، وأن يجتمع الرئيسان ويضعا أسس حل، غير أن رفض بوتين الجلوس مع أردوغان، على رغم طلب هذا اجتماعاً ثنائياً، يعكس مدى غضب القيادة الروسية وتصميمها على أن تدفع تركيا الثمن.
أحاول أن أكون موضوعياً وأرى أن تركيا أخطأت ثم كذبت. البيان التركي قال أن الطائرة كانت داخل الفضاء الجوي التركي وعلى بُعد كيلومترين من الحدود، غير أن الطيارَيْن هبطا، كلاً بمظلته، داخل سورية، وقتلت المقاومة المحلية أحدهما. أجد من المستحيل أن يقود كل طيار مظلّته كيلومترين ليعود إلى داخل حدود سورية.
عندما زار أردوغان روسيا في أيلول (سبتمبر) الماضي، رحّب به بوتين كثيراً وقال أنه رجل مستعد لمواجهة الغرب. الآن يقول بوتين أن روسيا طُعِنَت في الظهر، وصحافة الحكومة في موسكو تزعم أن ابن أردوغان شريك في تهريب «داعش» النفط إلى تركيا وله حصة من ثمن البيع. وكانت روسيا عرضت في قمة العشرين في تركيا الشهر الماضي، صوراً لتهريب النفط مرفقة بمعلومات.
روسيا وضعت صواريخ بعيدة المدى في سورية على مسافة 30 ميلاً من حدود تركيا، وبيان رئاسي أعلن منع تجديد تراخيص العمل لأتراك في روسيا بعد أول الشهر المقبل، ومنع استيراد بضائع تركية، وأهم مما سبق فرض تأشيرات دخول على التنقّل بين البلدين، ووقف طائرات السياحة الروسية من حمل السياح إلى تركيا، وهذا يعني حرمان ثلاثة ملايين روسي سنوياً من الاستمتاع بشمس تركيا وشواطئها.
رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف أعلن عقوبات اقتصادية قد تعني خسارة تركيا 30 بليون دولار سنوياً، وتجميد مشاريع مشتركة أو إلغاءها، وأيضاً وقف مفاوضات لمعاملة تركيا بصفة «الدولة الأكثر رعاية» في المبادلات التجارية مع روسيا.
أنا واثق من أن هذه السطور لن تُنشَر حتى تكون روسيا قد أعلنت فرض عقوبات أخرى على تركيا ربما كان أردوغان يستطيع تجنّبها لو أنه اعتذر فوراً، إلا أنه ركب رأسه في البداية، وعندما أدرك حجم الغضب الروسي، أبدى «الحزن العميق» من دون أن يعتذر. تركيا عضو في حلف ناتو، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على روسيا بسبب الخلاف على أوكرانيا، ولم تبقَ لديهما أسلحة جديدة مؤثرة ضدها.
كِلا الرئيسَيْن قوي في بلده، وبوتين ليس عنده كونغرس يعارض كل خطوة له، وإنما أعضاء دوما يؤيدونه وقد يزايدون عليه. أما أردوغان فقد ضمِن غالبية لحزبه، العدالة والتنمية، في الانتخابات الأخيرة، ويستطيع أن يصمد. وهو على ما يبدو واثق من قدرته على الصمود، فوسط المواجهة مع روسيا قرر خوض مواجهة داخلية مع الصحافة، وقامت تظاهرات احتجاجاً على تكميم الصحافة المحلية، إلا أن أردوغان لم يعرها اهتماماً كبيراً.
المواجهة مستمرة، وكل حديث آخر يعكس تمنيات قائله، لأن بوتين وأردوغان مثل زوجين يختلفان يومياً، فيُقال فيهما «يستاهلوا بعض» أي أحدهما الآخر.
عن الحياة
التعليقات مغلقة.