الشاعرة دلشا يوسف.. الحب = الوطن + الآخر

47

دلشااا

وجدان عبدالعزيز
كلما تفاعلت في قراءاتي للقصيدة الحديثة، وجدت معالم الاقتصاد في الاسترسال وانعدام التفسير، كي تعطي متعة البحث والاكتشاف لدى القارئ، اعتماد الومضة الشعرية أو ما يسمى بالتوقيعة الشعرية، (إذ يحتاج الشاعر إلى قدرة فنية كبيرة على الاقتصاد في اللغة، والتكثيف في الصور، وحذف جميع الزوائد والاستطالات التي لا تضيف شيئا إلى عموم القصيدة) ص30 الأداة الشعرية، وكما يتبدى لنا إن الاستطالات والتفسيرات تؤدي بلا أدنى شك إلى ترهّل القصيدة وبالتالي إلى إفراغها من متعة القراءة والتلقي، وضياع عملية استرداد المعنى .. يقول أدونيس ” الشكل الشعري حركة وتغير : ولادة مستمرة .. الشكل الشعري الحي هو الذي يظل في تشكل دائم”، ونبحث هنا في شكل قصيدة الومضة، وممكن تعريفها أنها “قصيدة الدفقة الشعورية الواحدة التي تقوم على فكرة واحدة أو حالة واحدة يقوم عليها النص, تتكون من مفردات قليلة, و تتسم بالاختزالية, ولا يتعدى طول هذه القصيدة الجمل القليلة التي تتشكل بطريقة لمّاحة واضحة سريعة)، ومن سماتها الاختزال الحكائي العالي وإحكام التشكيل الشعري، ثم أنها ترتكز على التكثيف والحذف والاعتماد على ما قلّ ودلّ من الكلام، الغاية من هذا اللون الشعري .. التعبير عن الذات الباحثة في هذا الكون المتلاطم في بحر من المتناقضات، وتقديم المعنى الذي يُسترد بمتعة من المتلقي وهذا التمهيد جاء من خلال قراءة لقصائد مختارة للشاعرة دلشا يوسف، حيث تقول في الأولى “حلم الوطن”:

(أيها الحلم العميق
حينما يخيب كل رجاء
أشفق حتى على العتمة
بهذا النور القاحل
على الأرض.
أيها الوطن الأول
و الأخير
ما زلتُ أكتبُ
بصبر الحرية
أجراس اللقاء.)

وهنا وبكلمات رشيقة ومختصرة، أعطت الشاعرة رؤيتها عن الوطن وتمسكها به عبر أي صبر اختارته لنفسها وعزفته بكل ثبات، حيث قالت: ” ما زلتُ أكتبُ/بصبر الحرية/أجراس اللقاء.”، وقبلها مهدت لهذا الموقف والتمسك بالوطن بقولها: “أيها الوطن الأول والأخير”، فجلّ حلمها أن يبقى هذا الوطن كما هو .. وحتى تُنير رؤيتها، لجأت إلى القصيدة الثانية (مرّ حزينا)، لتربط، الربط المحكم بين الوطن والحبيب، جاعلة منهما مكانا ومأوى واحد، فالوطن هو الأول والأخير، والحبيب هو اكتشاف معه معنى الحياة حيث تقول:
“معك يا حبيبي
اكتشفتُ حياتي
و اكتشفتُ معنى
العمر الضائع
لكن
كل شيء مرّ حزيناً
كأثر الحروب على الأرض.)

فالوطن، ثم الحبيب، ثم الوطن، هذه المتوالية، من أين تستقي عمقها الحقيقي .. من القصيدة الثالثة (شمال القلب)، ليكون المستقر والمكان، هو قلب الشاعرة وبالتحديد شمال القلب، إذ تقول:
” شمالُ قلبي… هُوَ
في عينيهِ…
أُرَوِّبُ
عَسَلَ مُرارِ الحُبِّ.
شمعَتي هو
في كلِّ ليلة
حينَ تكونُ أماسي الوحدةِ
مُلتقاي.
ذات يومٍ…في غُرَّةِ الخريف
وقد نَدِيَتِ الأرضُ بالرِّهمَةِ
أضَعتُهُ…
دونَ وَداعٍ،
هُناكَ…
في شمالِ القَلْب!”

وهنا إقرار بأن الحبيب والوطن في شمال القلب، حيث أتت هذه الحقيقة من استقرار القلب في جسد الشاعرة، ويعتبر فيزيائيا الموزع الحقيقي لنسغ الحياة لكل أجزاء الجسد .. لهذا تبقى الشاعرة دلشا تردد: “شمعتي هو في كل ليلة/ حينَ تكونُ أماسي الوحدةِ/مُلتقاي.”، وتجسمت هنا قضية الحب التي أخذت من الوطن فضاء مكاني ومن الحبيب فضاء انساني، ومن فضاء ذات الشاعرة انسكابات من مشاعر وأحاسيس الحب .. ويبرر كوهن بقوله: (إذا كان الانزياح في الواقع هو الشرط الضروري لكل شعر، فالأكيد حينئذ ان الجمالية الكلاسيكية كانت قليلة الاستعداد لاستغلال طريقة من هذا القبيل، ففي عصرنا يكون الابتكار أحد عناصر القيمة الجمالية)، هذا في إدراك القيمة الجمالية في قصائد دلشا يوسف المختارة، ومشاركتها في استرداد المعنى، وتسامي الشاعرة في إبداعها الشعري ..

 

التعليقات مغلقة.