في الفوضى الخلاقة – ليلان إبراهيم

32
في الفوضى الخلاقة
ليلان إبراهيم

في بعض المواقع الاستراتيجية ذات النفوذ الاقتصادي, الشرق الأوسط مثالاً,قد لا يجدي الضغط السياسي على أنظمتها نفعاً في سرعة تغيير الحالة السياسية , فالالتجاء إلى الفوضى الخلاقة أمر بديل على ما يفهم مما أدلت به كونداليزا رايس في نيسان ٢٠٠٥ . وذلك بأن لا ينفجر بركان غضب المعاناة من تلقاء نفسه , كي يكون تحت السيطرة الممكنة ويواكب التخطيط المرسوم له . هذا هو الوضع بعينه الذي نعيشه منذ عدة سنوات , فوضى الحرب المتعددة المصالح , وهدم الواقع الموجود الذي لربما بعضنا يحتار في تسميته . إن النظام القمعي المستبد هو الحافز الرئيسي لولادة الفوضى الخلاقة , و الذي انعدمت في ظله العدالة الاجتماعية , ومارس جميع أنواع الاضطهاد القبيح ضد قومياته المتعدة , والكُرد أكبر ضحاياه , وأهمل بعضاً من طوائفه وعشائره المختلفة . أعتقد أن أكثر هؤلاء كانوا مهيئين نفسياً بأن يُطلّقوا السلطة الدكتاتورية دونما ندم , إذا ما أتيحت لهم الفرصة , منحازين بذلك إلى كفة مصالحهم القومية أو الطائفية أو العشائرية . هؤلاء الذين أرادوها تغييراً سلمياً سرعان ما جوبهوا بعصا العسكر القاتلة, وخطف منهم الوضع وبدون أن يدروا لينتهي بذلك دور هديل حمام سلام الاحتجاجات , و شجعها مؤيدو مشروع الشرق الأوسط الجديد لتكون بدءً لشرارة الفوضى الخلاقة . تحول البلد إلى حلبة صراع متداخل المصالح بين القوى الكبرى والإقليمية ومؤيديهم , و اختلط الحابل بالنابل . تهدم أركان الواقع السياسي بالتدريج وكان البدء في خلخلة شبكة النظام المخابراتية وإضعاف الجيش , انهيار القانون ,التعليم , فالوضع الاقتصادي والاجتماعي بالشكل المتوقع له .

ثم توسعت دائرة ظهور الضحايا وبدأت عمليات الاغتيال للأخذ بالثأر من اتباع وجلادي النظام السيئين , و تدحرج الوضع إلى القتل العشوائي , فانعدام الأمان . وتحولت المنطقة إلى رحمٍ يولد التطرف , و يسيل لعاب الإسلام السياسي والجذب الشديد للتنظيمات الإسلامية الراديكالية الدموية من أنحاء العالم إليها, داعش والقاعدة مثالين , وسوقاً يثير اهتمام شركات الأسلحة . وتطور الوضع إلى لا شيء يعلو على أزيز الرصاص , الحرب الطائفية, فالأهلية , التهجير القسري لتغيير ديموغرافية المناطق وحسب المصالح المتصارعة , المنطقة الكُردية مثالاً , والإبادة الجماعية , وساد الفقر, وصارت البلاد بقعاً من الخراب والدمار الجزئي فشبه الكلي .

في الحقيقة إن التنظيمات الإرهابية عناصر مهمة دخلت و تدخل في خدمة الفوضى الخلاقة , و تعبد الطريق للوصول إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي لربما هو آتٍ على أنقاض سايكس وبيكو . وذلك لما يلعبونه من دور هام في تحريك ونشر السريع للفوضى وفي كل الاتجاهات للاستيلاء على المزيد من الأرض التي تملك المورد المالي والبشري لتجنيد الشباب وإغرائهم بالسلاح والمال . و للحفاظ على هذا الوضع ولإطالة أمد الصراع احتاجت تلك المنظمات ومن وراءها الدول المستفيدة إلى اتساع جغرافية العنف والإرهاب بجميع أنواعه وأساليبه المروعة , الخطف , الذبح , والحرق والسبي , تفجير البشر والسيارات المفخخة . رافق الوضع على الأرض الماكنة الإعلامية للمنظمات الإرهابية ومن خلفهم للتخويف من جهة , وماكنة مؤيدي نظرية الفوضى الخلاقة من جهة ثانية , و دول الجوار التي راحت تتوزع بين الطرفين , تراقب وتؤيد وتأجج الحرب وكل حسب مصالحه . إن مشروع الهدم ثم البناء لربما يحتاج إلى سنوات أخرى و إلى أن يكتمل مراحله و تنضج ظروفه , يجب أن يهيأ الجو لأن تتقاتل تلك التنظيمات الإرهابية فيما بينها بشدة ليضعف أكثرهم , ويتآكل بعضهم , وتنهك قدرات تحملهم الوضع . في ظل إطالة هكذا ظروف , الخوف , الرعب , الحزن والقتل , الإرهاب والهجرة, يصاب معارضو السلطة بالإحباط , ويتولد لديهم و بالتدريج الضغط النفسي الكبير , فيوصلهم إلى حالة اليأس , و بالتالي الإقناع بأن لامجال للعودة إلى ظروف ما قبل الفوضى .

وما أمامهم إلا أن يقبلوا شروط المرحلة الجديدة , الذي قد يكون شرق أوسط جديد بدوله وأنظمته السياسية , و بما يتوافق و مصالح القوى العظمى . قد تطول حالة المأساة والموت والدمار هذه , ولكن لا قلق لأصحاب المصالح إذا كانت ستأتي بالنتيجة المأمولة منها . أو بمعنى أن يوضع الوضع في غرفة الإنعاش وإلى أن ترغب لعبة مصالح الكبار,فتعالج بالصدمة الكهربائية القوية لعودة الروح والحياة إليه . وأخيراً , والشيء الذي يهمنا بأن الكُرد رغم ضعف وحدته , ونزيف الهجرة المميت والتعريب الخطير الجاري على قدم وساق ,ما يزال العنصر الفاعل في إظهار نفسه كمدافع عن مصالحه , ويُظهر بأنه يستطيع أن يكون عنصر مساعد في الاستقرار , وبالتالي حماية مصالح الغرب في المرحلة التاريخية القادمة . فما على قادة الكُرد إلا أن يتقاربوا في خطابهم السياسي , ليحسب لنا حساباً في الخريطة الجغرافية السياسية للشرق الأوسط الجديد , ولربما مكاناً في موقع الحليف الجديد للغرب , وإلا فقدنا الفرصة الذهبية التاريخية لحل قضيتنا القومية .

 

التعليقات مغلقة.