زاوية الكرد في صحافة الغرب

24
12168112_1155588064456038_722992212_n
هشام عرفات

 الدب الروسي في سوريا والمعادلة الكردية في سلسلة من المقالات في جريدة الاندبندنت تحت عنوان “الأزمة السورية”

يرى الكاتب والصحفي الايرلندي باتريك كوبرن أنّ تدخل روسيا في سورية قد يسرّع وتيرة الحرب ولكن ليس من الضرورة أن يكون الحل كامنا في هذا التدخل.

 

وفي جولتي في روجافا الأسبوع الماضي مع باتريك كوبرن وجوناثان ستيل، تجولنا في كوباني وبرؤيتك لتلك المدينة المدمرة كليا تشعر وكأنك تشاهد صورا لمدينة ستالينغراد بعد الحرب، وما يدعو للتساؤل أنه رغم انعدام وجود داعش في المدينة والقرى والبلدات المحيطة بها، ورغم أنّ بعض القرى غير مدمرة، إلا أن الناس مازالوا خائفين من العودة.

 

السوريون على حق في التردد والخوف من العودة، لانهم يدركون أن ما يحدث في ارض المعركة من انتصارات قد ينعكس في اليوم التالي رأساً على عقب. فالحرب خليط فظيع من المواجهات والأزمات المختلفة، وفي سوريا أسفرت هذه الحرب عن مجموعة من الثنائيات المتضادة التي نجحت القوة الداخلية (الأسد والمعارضة) والخارجية (روسيا وأمريكا) في التمهيد لها: الشيعة ضد السنة – الكرد ضد العرب والترك – داعش ضد الجميع – ايران ضد السعودية – روسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وما يدعو للحيرة ايضا أن تلك القوى الاقليمية والعظمى كانت قوية بما فيه الكفاية للحرب في المناطق الخاصة بها، ولكنها غير قادرة لمحاربة أية قوى جديدة تدخل ساحة الحرب، لذلك نرى أنه من المرجح أن تدخل موسكو سيكون له أثر ايجابي: فروسيا قوة عظمى لا يستهان بها وقادرة على وضع اطار جديد للأحداث بسياستها وحلفائها واتباعها.

 

و في مؤتمر صحفي عقد عقب الضربات الروسية قال باراك اوباما: “لن نجعل سوريا ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا.” ولكن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والأمريكان والمنافسة العالمية التي واكبتها، كانت لها تأثيرات ايجابية على دول العالم كافة. فقد سعت القوتان العظمتان لدعم حلفائها ومنع الفراغ السياسي من التطور. إلا أن الأزمات لم تتفاقم كما هي عليه اليوم لأن الروس والأمريكان كانوا أكثر حكمة في رؤية مخاطر الانزلاق خارج نطاق السيطرة وإثارة أزمة دولية.

هذا التوازن العالمي للقوى انتهى مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وجلب معه المزيد من الحروب والدمار للشرق الأوسط وشمال افريقيا. فهناك حاليا اكثر من ثمانية صراعات مسلحة مستعرة بما في ذلك باكستان ونيجيريا وجنوب السودان؛ فقد أدى تجدد القتال عام 2013 الى أكثر من 1.5 مليون نازح. وهنا توقفت المنافسة المباشرة بين القوى العظمى كالولايات المتحدة وحلفائها مثل فرنسا والمملكة المتحدة اذ تفرغت لرعاية هذه الصراعات عن بعد، وعند تدخلها كما حدث في العراق وليبيا كان الغرض من التدخل إنشاء أنظمة عميلة واهنة تعمل لصالحها. فالحماس الذي اظهره ديفيد كاميرون ونيكولا ساركوزي إزاء اسقاط معمر القذافي يتناقض مع عدم مبالاتهم ازاء انهيار ليبيا وتحولها الى فوضى عارمة.

 

لذلك ترى معظم التحليلات في الصحف الغربية ان تتدخل روسيا بشكل كامل في سوريا وذلك لخلق نوع من توازن القوى واستعادة السيطرة على الوضع الخارج عن السيطرة، مع بقاء الأسد في السلطة. إلا أن القدرة الروسية على القيام بذلك يعني ان تتمكن من تعديل سياسة الأسد المتبعة والحد من العنف ووقف اطلاق النار على الصعيد المحلي وتقاسم السلطة. فواشنطن وحلفائها قامت بكثير من العبث لتأطير المشكلة وحصرها في خيارين “بقاء الأسد أو رحيله”، فرحيل الأسد سيؤدي حتما الى تفكك الدولة السورية كما حدث في العراق وليبيا او سيكون له أثر محدود لأن الأطراف المتحاربة في الحرب الدائرة في سورية ستستمر في الحرب على أية حال.

 

ان التدخل الروسي سيكون له تأثير ايجابي لتهدئة الحرب ليس في سوريا فحسب، بل في العراق ايضا، رغم أن ما قاله اوباما في المؤتمر الصحفي يبين فهما محدودا لما يحدث في المنطقة. فسوريا ليست المساحة الوحيدة للصراع الدائر بين السنة والشيعة و ليست ساحة حصرية للسنة والشيعة فقط. فالصراع دائر على مساحة لبنان والعراق وسوريا وافغانستان، فعلى هذه المساحة هناك اكثر من مائة مليون شيعي واكثر من ثلاثين مليون سني.

 

أما المفارقة الأكبر فتكمن في أن القوات الكردية في سوريا (وحدات حماية الشعب YPG) والعراق (البيشمركة) معظمها من المكون السني، إلا أن صراعها مع داعش والقوى الجهادية من المكون السني العربي ليس على اساس ديني. لذلك فالسلام لن يعود لسوريا ما لم يتم القضاء على داعش وهذا لم ولن يحدث. فالضربات الأمريكية لم تفلح في الحد من تمدد داعش. وهنا يتبين للقوى الغربية ان مكافحة الارهاب تتطلب دعم القوى التي تقاتل داعش بالفعل (كالقوات الكردية في سورية المعروفة بوحدات حماية الشعب YPG)، اذ تعمل هذه القوات على التقدم نحو الغرب عبر الفرات والسيطرة على المعبر الوحيد لداعش مع تركيا في جرابلس. وهنا صرح رجب طيب اردوغان الاسبوع الماضي ان مثل هذا الأمر غير ممكن، إلا أن الأمر غير واضح حتى الآن فيما اذا كانت الولايات المتحدة ستدعم حليفها الكردي في سوريا و تضغط على انقرا ومنعها من غزو شمال سوريا ام لا.

 

والمفارقة الأخرى المطروحة للتساؤل في المعادلة الكردية في سورية هي أن الروس والأمريكان يحاربان العدو ذاته (داعش) فهل سيدعمان القوة ذاتها التي تحارب داعش على الأرض (القوات الكردية في سوريا YPG )؟ لعل تصريح اوباما في عدم تحويل سوريا لساحة حرب بالوكالة فيه تصريح ضمني لنوع من الاتفاق مع الروس في دعم مشترك للقوات الكردية، ولكن ليس على الصعيد العلني.

 

وهنا يبرز الكرد في سوريا كلاعب استراتيجي على الصعيدين الداخلي والدولي. فعلى الصعيد الدولي تمتاز سياستهم بالمرونة لكسب كافة الأطراف الدولية، وعلى الصعيد الداخلي نجحوا لحد كبير في كسب الاثنيات الأخرى واشراكهم في حكم الاقليم الكردي المعروف بـ”روج افا” وخاصة عند استخدام تسمية “الادارة الذاتية الديمقراطية” كتسمية رسمية للاقليم مما يخلق رضىً وارتياحا لدى الاثنيات الأخرى من مسيحيين وعرب. لذك تعتبر المنطقة الكردية في سورية من المناطق الأكثر أمانا مقارنة بالمناطق الأخرى. إلا أن حل المشكلة جزئيا في اقليم واحد لا يعني حل الأزمة السورية، فهذا سينعكس سلبا حتى على هذا الإقليم الآمن، وخلق المزيد من المشاكل فيما بعد.

 

إنها المشاكل حين تأتي تباعاً وخاصة في الأزمة السورية حيث اختلط الحابل بالنابل. فالقوى الاقليمية المتمثلة بتركيا وايران والسعودية ودول الخليج العربي لديها قدر كبير من السيطرة على قواتها في سوريا، إلا أن تلك الجهات الفاعلة الاقليمية التي لا تبالي بالدمار الذي خلفته قواتها في سوريا وفي الوقت ذاته تحلم بنصر نهائي، ستلجأ مكرهة إلى تنازلات ومساومات مع واشنطن وموسكو.

 

على روسيا وأمريكا لعب دور أكثر فاعلية في سورية، وإلا فإن الفراغ السياسي ستشغله القوى الاقليمية ذات الأجندات الطائفية والاثنية. أما بريطانيا فيمكن ان تلعب دورا ايجابيا اذا توقفت فقط عن المشاركة في الالعاب التي تقوم بموجبها بخلق نسخ أخرى من الجهاديين بمسميات مختلفة عن الأصل واطلاق تسمية المعتدلين عليهم. وبالعودة لمفاوضات السلام في ايرلندا الشمالية في التسعينات، نرى ان نهاية الاقتتال في الأزمة السورية يكمن في اقناع الاطراف المتحاربة انه لن ينتصر أي منها وعلى كل طرف الاكتفاء بالمحافظة على الجزء الذي يسيطر عليه و التفاهم مع الأجزاء الأخرى. أما روسيا وأمريكا فلم تعودا تلك القوتين العظمتين كما كانتا في السابق، غير أن بإمكانها الآن متابعة تلك الاتفاقات بين الأطراف المتحاربة فقط.

*هشام عرفات: مترجم كردي من روجافا ومراسل جريدة الاندبندنت البريطانية في كردستان.

hisham-arafat@hotmail.com

التعليقات مغلقة.