الدب الروسي في الكرم السوري

22

 

 

الدب الروسي في الكرم السوري
المحامي عبدالسلام أحمد

من المؤكد أن الدب عندما يدخل الكرم بحثاً عما يسدّ به جوعه فإنه سيحيله لخراب وفوضى  فما بالك بما سيفعله  الدب الروسي المدجج بالسلاح بالكرم السوري  بعد أن  داسه  ومرّ به ابن الآوى والثعلب  والذئب،  وقد لايكون مفاجئاً وجود الدب في ديارنا نحن الجيل الذي شهد صعوده ووصوله أرذل العمر وسقوط أنيابه،  وقد اعتدنا وجوده طيلة نصف قرن أو يزيد من حكم البعث الإشتراكي، فالعلاقة مع موسكو تمتد الى العهد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية ومؤتمر يالطا الذي جمع الدول المنتصرة في الحرب لتقاسم مناطق النفوذ بين الدول الحليفة، بصمات الروس نجدها في تفاصيل التاريخ السوري  وتحديداً في العهد الذهبي للبعث وحكم آل الأسد ودوره في ترسيخ دعائم النظام الاستخباراتي الشموليّ المستبد باسم الطبقة العاملة والبروليتاريا وإنهاء الحياة السياسية ووأد الربيع الذي أزهر بعد الاستقلال ولازال يلقي بظلاله الثقيلة على حاضرنا وندفع ضريبته من دمائنا وخيرات بلادنا، ولم يغب الروس عن سماء وأرض ومياه سوريا، التي ظلت  من ضمن مجالهم الحيويّ وبوابتهم الاستراتيجية في شرق المتوسط حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتقطع أوصاله وفرط عقده.

ولابد لنا في هذا المقام  من أن نعرج على مسيرة الكرد مع الروس وما رافقتها من مآس وحكايات وتاريخ مؤلم من الغدر والخيانة وإن كان بعض الكرد كالقط ” يحب خنّاقه”، ويرفع المظلة في قامشلو فيما إذا أمطرت السماء في موسكو, ولسنا هنا بصدد سرد مفصّل تاريخ العلاقات الكرديّة الروسيّة والمجازر التي ارتكبتها الروس بحق الكرد, هي فقط  للذكرى علها تنفع المؤمنين, ففي الحرب العالمية الأولى في شمالي كردستان شنّ الروس بالتعاون مع الأرمن  حملة عسكرية  مدمرة على العشائر الكردية في أغدر, قارس, أرضروم, موش ووان, وكل الجغرافية الكردية الممتدة من حدود ارمينيا حتى زاخو بهدف الوصول للمياه الدافئة والخليج الفارسي, راح ضحيتها الآلاف من الكرد بين قتيل وجريح ومهجر ومن ثم لم يتردد الشيوعيون السوفيت في تقديم الدّعم والمساندة الكاملة للفاشي كمال أتاتورك في سحق الثورات الكردية بدءاً من ثورة الشيخ سعيد وانتهاءً بثورة إحسان نوري باشا في جبال آرارات بدعوى إنها حركات قوميّة ودينيّة رجعيّة.

ومن أجل إرضاء الذئب التركي قضى ستالين على  جمهورية “كردستان الحمراء” على حدود ارمينيا منطقة ناكورني كرباخ, وشتت أهلها في منافي سيبيريا في عملية ترحيل شبيهة بما فعله هتلر باليهود, ولعل أكثر المحطات إيلاماً في تاريخ الكرد جمهورية مهاباد الشهيدة في عام ١٩٤٦ في شرق كردستان التي دامت إحدى عشر شهراً وتلقت الدعم  والرعاية في البداية من الحكومة السّوفياتية ثم ذهبت ضحية الاتفاق الروسي الأمريكي على مذبح المصالح الاقتصادية للبلدين.

هل نكون مخطئين إذا قلنا بأنّ المقبور صدام حسين وجبهته الوطنية التقدمية حظى برعاية وحماية الدب الروسي إلى حين لفظه لأنفاسه الأخيرة وهو الذي يزود النظام البعثي المحتضر في سوريا بأسباب الحياة اليوم، ومن ذا الذي يطلب منا أن ننسى بإنّ الروس طعنوا القائد الكردي أوجلان في الظهر عندما حطّ على أراضيهم بناءً على دعوة برلمانهم  وتخلوا عنه لقاء حفنة من الدولارات وصفقة غاز.

إن الروابط التي تربط البلدين كما أسلفنا متينة, ومن نافلة القول إنّ من أدار المعركة وأمسك بخيوط اللعبة من وراء الستار يوم بدأت الأزمة في سوريا هم الروس عبر تقديم الخبرات العسكرية والاستخبارية والتمويل الاقتصادي والمالي  والسياسي كما نجحت الدبلوماسية الروسية عبر استخدام  حق النقض الفيتو في إجهاض كل مشاريع القرارات التي تقدم بها الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي استهدفت النظام، اليوم نحن على أبواب مرحلة جديدة حيث لم يعد هناك أي محذور في إعلان الحكومة الروسية بوجود اسطول من الطائرات على الأرض السورية للوقوف إلى جانب النظام في مكافحة الأرهاب, روسيا ستحارب من أجل أن يكون لها موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط .

ما يجب الإقرار به  إنّ الأستراتيجية التي تم وضعها من قبل النظام السوري وداعميه الروس والإيرانيين نجحت  في التعامل مع الحراك المعارض السلمي  وجرّه لخندق العسكرة والعنف وفق مايرتئيه النظام مستلهمين من تجربة الجزائر مع الحركة التي قادها عباس مدني وعلي بلحاج  وفتح الأبواب على مصراعيها لنشاط الحركات السلفية التكفيريّة وبالتالي وضع الشعب السوري و المجتمع الدولي امام خيارين  صعبين لاثالث لهما أما النظام بكل مساوئه وموبقاته او ترك الساحة للجماعات الجهادية التكفيرية التي نبتت كالفطر السام  على الأرض السورية مما يهدد السلم العالمي  في ظل فشل القوى الديمقراطيّة السورية في إدارة دفة الثورة. اذا استثنينا منها الحالة الكردية في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية.

المجتمع الدولي يضع في سلم أولوياته اليوم  موضوع مكافحة الأرهاب فالأمريكان والأوربيون  والروس والسوريون والإسرائيليون لهم هدف واحد وهو محاربة الإرهاب الذي استشرى وتوسع وتمدد ، أما رحيل النظام فلم يعد مطروحاً على جدول أعمال القوى الدولية المعنية بالملف السوري ولم يعد بشار الأسد وطاقم حكمه جزءً من المشكلة هم اليوم جزء من الحل، وشريك في تخليص المنطقة من شرور الإرهاب  والوفود الدولية  التي تخاف من سقوط دمشق بيد القوى التكفيريّة بدأت تتقاطر سراً وعلناً لقصر قاسيون.

تدخل الناتو المباشر وتشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب دون قرار أممي والعودة لمجلس الأمن بدواعٍ شتى هو الذي مهد الطريق أمام التحرك الروسي وإعلانه الحرب من الأرض السورية على من يجدهم خطراً على أمنه القومي إذا علمنا بأنّ هناك آلاف الإرهابيين قدموا من أرض القفقاس..!

التدخل الروسي المكشوف جاء أيضاً في الوقت المناسب للنظام, حيث يخسر جبهات عديدة ويفقد مدن مهمة ويضيق عليه الحصار في العاصمة دمشق وباتت فيها القوى المتطرفة على مرمى حجر من معاقله، كما أثقلت الحرب كاهل حليفته إيران التي توسعت جبهة الصراع أمامها و الممتدة من أرض اليمن السعيد حتى بلاد الرافدين وأرض الشام.

على القوى السياسية الكردية  في روجآفاي كردستان فهم مغزى وأهداف التدخل الروسي بتأنٍّ ورويّة وأثره المحتمل على روجآفا والحذر كل الحذر من الدب القادم من القطب.

 

قيادي في حركة المجتمع الديمقراطي

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Buyerpress في العدد 28 بتاريخ 2015/10/1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

 

.

 

.

التعليقات مغلقة.