المؤسسات الإعلامية في روجآفا “رؤية أولية” – إبراهيم بركات

38

 

“ميثاق شرف إعلامي ضرورة ملحّة ”

ابراهيم بركات
الكاتب إبراهيم بركات

منذ انطلاقة مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الجزيرة وعودة التوازن إلى جميع مفاصل الحياة في المقاطعة وخلق مناخات من الحرية الفكرية وكسر حواجز الخوف، وما يعنينا هنا تجليات ذلك في المشهد الثقافي وحراكه العام، وانسحب ذلك على الواقع الإعلامي بكل وسائله وأدواته، إن كان في تنفس الإعلاميين والصحفيين صعداء بعد حالة التغييب والقمع والسطوة الرقابية الأمنية عليهم وعلى أقلامهم نتيجة الذهنية البعثية العفنة وتفكيرها الشمولي منذ أكثر من أربعة عقود، وإن كان في مجال إقلاع وسائل إعلامية عديدة منها مطبوعة ومسموعة على وجه الخصوص, فبدأ تتالي الصحف والمجلات وكذلك بدأ بث الإذاعات وفي أكثر من مدينة في روجآفا.
يقيناً أن زحمة توالي الإصدارات المطبوعة وبثّ المسموعة “حالة صحية” مهما بدا مستوى تلك الوسائل متدنية, أو لم ترتق إلى متطلبات المرحلة في مخاطبة المتلقي والقارئ وعجزت إلى حدّ ما في تحفيز المجتمع على الارتقاء بمستوى فكره العام وتطوره المعرفي اللاحق في واقع عانى ما عاناه من الاستبداد والسطوة الأمنية والكبت الفكري ومصادرة الرأي.

في رصدنا لهذا الواقع الإعلامي الجديد وحراكه العام، وانعكاساته على الحالة العامة للمجتمع من جوانبه كافة، نكتشف أكثر من مسألة مهما بدت صغيرة أو مفصلية لكنها في النهاية تعكس الذهنية التي تدير هذه الوسائل وخاصةً تلك التي تدّعي الاستقلالية في آراءها وطروحاتها, فهذه الوسائل عجزت حتى الآن في خلق حالة من النهضة الفكرية والمعرفية والذهنية في بنية المجتمع وسياقاته العامة، بل ولم تستطع أن تكون الحامل والحاضن للقيم الفكرية والأخلاقية والاجتماعية في نسيج وبنية المجتمع, يتحكم بها كثير من العادات والموروثات المتخلفة، كونها – أي وسائل الإعلام – تفتقر إلى الكثير من معايير العمل الصحفي المهني والحرفي، ناهيك عن افتقارها إلى كوادر إعلامية تدرك ماهية الإعلام, غايته, ورسالته, وإن وُجدت فمحدودة جداً.

لقد طفى على سطح هذا الواقع الإعلامي الجديد أكثر من حالة فساد وممارسات بعيدة عن القيم الإعلامية والصحفية، وخاصةً في المؤسسات الإذاعية، كونها اعتمدت على التمويل الخارجي – المغتربين – وبإدارة محلية، وكثيراً ما تكون الإدارة مختزلة بشخص ما بعينه، وهذا الشخص لا يمتلك الكفاءة المطلوبة وبعيد كل البعد عن الصحافة والإعلام، ليغدو بين ليلة وضحاها رجل الفكر والإعلام وحاكم تلك المؤسسة التي يديرها، يعيّن ويقصي من يشاء وفق مصلحته الشخصية والولاء له لا للمؤسسة ورسالتها الإعلامية.

فرسالة أيّة وسيلة إعلامية في مخاطبة المتلقي والمستمع والقارئ هي الارتقاء بفكره المعرفي والاجتماعي ومجاراة التطور الحاصل في الفكر البشري والإنساني في منتصف الطريق.

ومن هنا تأتي ضرورة تأطير الواقع الإعلامي بكل جوانبه ووسائله في إطار قانوني ناظم لهذا الحراك وضابط لإيقاعه المتوازن، لا كسيف رقابة مسلط على رقاب أهل القلم.

ومن هنا أيضا حريٌ بنا أن نذكر أن اتحاد الإعلام الحر على وشك الانتهاء من التحضيرات لعقد مؤتمره العام الأول، في فترة قريبة قادمة حسب المعلومات المتداولة من إدارة الاتحاد. إن مسؤوليته لا تنحصر في منح الصحفيين والإعلاميين بطاقات تسمح لهم ممارسة العمل الصحفيّ، ويقيني أن الصحفي المدرك لمسؤولياته ولرسالته الإعلامية الخلاقة ليس بحاجة لمن يمنحه صك شهادة وتعريف, فالبطاقة الصحفية هي تحصيل حاصل للصحفي. ويجب ألا تنحصر مهام الاتحاد في منح الرخص لوسائل الإعلام إيذاناً بمباشرة عملها, بل عليه أن يكون العين الساهرة على:

– حماية الإعلاميين والصحفيين والدفاع عن حقوفهم، وإيجاد فرص العمل لهم بما يتناسب مع قدراتهم الصحفية، والحدّ من ظاهرة تسّلق الجسد الإعلاميّ من قبِل بعض الذين لا يمتلكون أيّة مقومات صحفية.

– الإشراف على هيكلة وسائل الإعلام “المقروءة والمرئية والمسموعة” وإصدار القرارات الناظمة لذلك بحيث تتكوّن إدارتها والعاملين فيها من الكوادر المؤهلة.

– مطالبة الهيئات التابعة للمجلس التنفيذي ومؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية في المقاطعة بضرورة أن تتكوّن مكاتبها الصحفية من الكوادر الصحفية المؤهلة للقيام بمهامها المطلوبة.

– إقامة دورات متخصصة وورشات عمل داخلية وخارجية للصحفيين ذوي الخبرة، لمواكبة كل ما هو جديد في علم الصحافة.

– العمل على إصدار صحيفة دورية للاتحاد.

– للاتحاد شخصية اعتبارية كمؤسسة مستقلة، لذا ينبغي الفصل بين مهامها كجهة تعنى بشؤون الإعلاميين والصحفيين وتتابع قضاياهم، وبين مهامها في منح الرخص لوسائل الإعلام.

– العمل على صياغة ( ميثاق شرف إعلامي ) يكون بمثابة الناظم الأخلاقي والمظلة للإعلاميين ووسائل الإعلام على حد سواء. ويكون حافزاً للارتقاء بالحالة الإعلامية في روج آفا ككل، ويكفل حرية العمل الصحفي ضمن أطر أخلاقية داخل أي وسيلة إعلاميّة.

 

نشر هذا المقال في العدد 27 من صحيفة  Buyerpress

التعليقات مغلقة.