المثقف الكوردي السوري غياب “الدور” وضعف “الارادة”

26

11997438_1136254779722700_1295360762_nيحدد المفكر المغربي عبد الله الجابري المثقفين بالقول ” بأنهم يشكلون الفئة الواعية التي اكتسبت، بحكم ثقافتها، موضوعية التفكير ووضوح الرؤية، والقدرة على التحليل والمحاكمة المنطقية، مما يجعلهم في حصن من أن تنطلي عليهم أساليب البرجوازية ومن أن يخيفهم تحكم المتسلطين، إن المثقفين هؤلاء، هم وحدهم القادرون على تصحيح تلك الصورة في الوعي الجماهيري، ورسم الطريق الصحيح لتحقيقها في حيز الواقع الملموس” بعد هذا التعريف يمكننا ان نتساءل عن دور، ووظيفة المثقف الكوردي السوري إن كان له دور اصلا ؟ هذا المفهوم الغامض والضبابي الذي لا يشير كورديا الى شيء محدد او يحيل إلى نموذج معين ولا يرتبط بواقع ملموس، رغم انتشار مفهوم المثقف الواسع في حالته العمومية ؟ هل يمكن الحديث اليوم عن موت المثقف الكوردي وانتهاء دوره النقدي أو العضوي أو الكلاسيكي ….؟ هل انتهى مثقف السلطة ليترك مكانه لمثقف الاحزاب او للمثقف الارتزاقي اولمثقف الدعاية او المناسبات ؟ اين هو ذلك المثقف الكوردي المنتج ، الذي يبحر و يغوص في قاع المحرم ، ويفتش في المحظور ويستنطق المسكوت، القادر على مواجهة الحقيقة، المثقف الناقد ….؟! لا وجود اليوم لمثقف كوردي عضوي بلغة غرامشي ( الا فيما ندر) يعري السلطة القائمة ويتحدى ممارساتها الاستبدادية، ويبشر بقيم العدل والحرية والتقدم، وينخرط في النضال اليومي، ويمارس دوه كانسان يحس ويرى ويتأثر بما يجري حوله ؟ كثير من المثقفين الكورد يمارسون غواية الكتابة من برجهم العاجي بعيدا عن مشاكل الناس وهمومهم ؟. أو تدفعهم انتهازيتهم إلى تنصيب أنفسهم ناطقين بالحكمة ، راغبين بامتثال السياسي الكوردي بين ايديهم لأخد المشورة والنصيحة ؟ وهو باعتقادي سبب رئيس فيما نشاهده من صراعات وانعدام للثقة ؟! هل ما يجري كورديا هو الاختبار الأخير لفاعلية المثقف الكوردي واخلاقياته ولدوره المعرفي ؟ أم أننا سنشهد ولادة المثقف الكوردي الذي تحدث عنه ميشال فوكو بالقول ” إن المشكلة السياسية الاساسية للمثقف ليست نقد المضامين الايديولوجية.. إنما معرفة ما إذا كان بالامكان بناء سياسة جديدة للحقيقة …ان المسألة لا تتعلق بتغيير وعي الناس او ما يدور بادمغتهم …بل يتعلق بالنظام السياسي والاقتصادي والمؤسساتي لإنتاج الحقيقة ” ويمكن تلخيص حالة المثقف الكوردي في كلمة واحدة بأنه “مذنب” اي مذنب حين يصمت او يكتب أو يزييف أو يتنكر لدوره النقدي او المعرفي او الاخلاقي ؟ ،لأن المثقف الكوردي يخون فكره وشعبه عندما يحجم عن نقد ذاته ومجتمعه ومحيطه، ويقصر نقده على من هو خارج تلك الذات وذلك المحيط. لأن المثقف الناقد يجب أن يكون صاحب مغامرة فكرية وتغييرية، يفكر في الممنوعات ويتحدث في المحرمات، يتحدى السلطات القائمة سواء كانت سياسية أو دينية أو ثقافية ، فقد انتشر في الوسط الثقافي الكوردي السوري مؤخرا نماذج مختلفة من “المثقفين” أولهم “المثقف الاعتذاري” والذي يقوم بالدفاع عن استقرار الوضع القائم، وتبرير الاستبداد وعن “الخصوصية الثقافية”، والصنف الآخر هو “المثقف الإيديولوجي، المشبع بإيديولوجيا معينة في رؤيته للعالم والمجتمع ، يروج لهذه الايديولوجيا ويرى فيها الحل النهائي، ويمارس نقده لكل من يقع خارج فضائه الإيديولوجي والمعرفي. بالاستناد الى كل ذلك، المثقف الكوردي السوري مطالب في ظل الأوضاع القائمة والتجاذبات الحزبية والسياسية، بتحليل الواقع السياسي والثقافي الكوردي ونقد السياسات الكوردية والممارسات الاستبدادية والايديولوجية التسلطية لبعض القوى والدفاع عن حرية الرأي والتعبير والاختلاف، وتقديم الاقتراحات والحلول والبدائل ، لأنه على حد قول ماركس كان الفلاسفة سابقا يقومون بتفسير العالم بينما المطلوب هو تغييره !!. عليه أن يؤدي دوره ، ويقوم بوظيفته ، بعد أن أتاحت الثورة السورية المجال لحرية الرأي والتعبير في إقليم كوردستان سوريا ، في ظل غياب رقابة السلطة وأدوات قمعها وتوفر عدد من منابر الأعلام الكوردية التقليدية والحديثة ، من صحف ومجلات ومواقع الكترونية وصفحات تواصل اجتماعي وفضائيات، باتت في متناول اليد ، لكل من يرغب في استخدمها ، لنشر آرائه ومعتقداته الفكرية والدينية والسياسية، بعد ان وفرت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فرصا كثيرة للانتشار والتأثير في أوساط واسعة وقطاعات اجتماعية وثقافية متعددة ، لم يكن الوصول اليها ممكنا ،بعيدا عن هيمنة الاحزاب وتسلط السياسي الكوردي وسيطرة فكره الايديولوجي الشمولي . على المثقف الكوردي النقدي أن يعري الفساد السياسي والاجتماعي ، وأن يمارس دوره التنويري ، ويحارب الاصولية والانتهازية وقوى الثورة المضادة الداخلية والخارجية ،وان يلقي الضوء عليها، ويرصد حركة الاشخاص والحالات التي لا تخدم الكورد ولا تساعد في تقدمهم ، وأن يكون المجهر الذي يظهر تفاصيل المجتمع بعيوبه ونواقصه، ويحدد الجراثيم الضارة للجسم الكوردي ، التي ستكون سببا لعطالته الثقافية والسياسية، هذا العمل سيكون بمثابة الرافعة التي ستؤدي الى نهضة المجتمع الكوردي وتقدمه وتحديثه وتجعله في مصاف الأمم المتقدمة .

التعليقات مغلقة.