أحزاب منفى كُرديّة!

39

 

11921935_1134891793192332_847400460_n منذ فترة والأحزاب الكُرديّة تعزز انتشارها خارج مناطقها، وشيئاً فشيئاً تترك الساحة كليّاً لحزب الاتحاد الديموقراطيّ، الذي عدا احتكاره القرار الأمني والعسكريّ في المناطق الكُرديّة، صار في حكم الواقع يحتكر الساحة الحزبيّة والسياسيّة أيضاً. ولعلّ السبب الأساس في هذا، انزلاق الثورة السوريّة عن مسارها الطبيعيّ وتحوّل المسار كليّاً إلى واقع جديد على السوريين، هو حكم السلاح، بعدما أُخضع المجتمع كلياً منذ الثمانينات لسلطة أمنية متحكّمة وحيدة. والحق ليس صحيحاً دائماً أن نعزو الأسباب، بخاصة في المناطق الكُرديّة، إلى حزب الاتحاد وكيفية ظهوره على سطح المشهد الحزبيّ الكُرديّ، بعدما غاب شيئاً فشيئاً عن الساحة السوريّة منذ اعتقال عبدالله أوجلان في 1999، ومنذ ما بعد 2004 كاد يضمحل وجوده بحيث أنكر مؤازروه نسبته إلى الحركة الأوجلانيّة، كما أنّ ظهوره المسلّح وعلاقاته بالمحور الذي ينتمي إليه النظام السوريّ (محور روسيا والصين وإيران)، أخافا الأحزاب الكُرديّة التي قارب عمرها الستين عاماً (منذ 1957)، فيما تقلّص نشاطها نتيجة للتغيرات في موازين القوى في ساحة الثورة بعدما رُهن كل شيء للسلاح.

الصحيح أنّ الأحزاب الكُرديّة (العريقة) عجزت عن مواكبة التغيرات والتطورات السوريّة، وبالتالي لم تكن ذات دور فاعل فيها، أو صانعاً للتغيير، فضلاً عن أنّ الثورة السوريّة عرّت الواقع الحزبيّ السوريّ وبيّنت هشاشته، وعدم فعاليته، وتركته منظومة تصلح فقط لإصدار البيانات، وإلقاء التنظيرات «الرجعيّة». ومن المحزن القول أن هشاشة هذه الأحزاب ابتلعت المشهد السياسيّ في المناطق الكُرديّة عامة، ولم يعد هناك غير حزب من لون واحد في يده مقادير الأمور، وكذلك السلاح، وبالتالي ضمر المشهد الحراكي عامةً.

بيد أنّ ما لا يدركه كثر من نشطاء الأحزاب، والذين حولوا مقارّ أحزابهم وقرارهم الحزبيّ إلى تركيا بحجة أنّ حزب الاتحاد لا يقبل الشراكة معهم، أنهم بفعلهم هذا لم يغيبوا الحالة السياسيّة فحسب، إنما جفّفوا المنطقة ومجتمعها المدني. وهذا حوّل الناس من منتجين في قطاعات اقتصادية إلى أناس يعملون فقط لكي لا يموتوا جوعاً، وفي أحسن الأحوال يفكرون كيف يفرون من أرض آبائهم إلى أوروبا!

بقي أن المرحلة الراهنة غريبة جداً، والناس فوق أنهم يعيشون الحرب والدمار وينتظرون كيف (ومتى) تسقط عليهم براميل البارود، فإن نشطاء أحزابهم ما زالوا يرددون الحلم ونسوا أنّ أحزابهم صارت أحزاب منفى، وما أدراك ما أحزاب المنفى، التي كحكومات المنفى، لا تحل ولا تربط؟!

 

فاروق حجّي مصطفى عن الحياة

التعليقات مغلقة.