إنسانية الغرب تغرق مع الطفل الميت – سكينة المشيخص

33

الذين اتجهت بهم أقدامهم غربا يفترض أن يجدوا معاملة إنسانية أرقى وأفضل من الموت والذل، عكس الشعارات الإنسانية التي يتشدق بها الغرب بمناسبة أو دون مناسبة.

d669444f-c8d9-4248-9b1a-3518eded3b0f
سكينة المشيخص


على نحو ما، وبصورة أو بأخرى، هناك متاجرة إنسانية بقضية اللاجئين السوريين، فالغرب ومنظماته لا يفعلان الكثير من أجل هؤلاء الذين تبتلعهم البحار وتتقاذفهم الرياح، ولم نر أو نقرأ عن ضغط حقوقي غربي على البرلمان الأوروبي الذي رفض استيعاب اللاجئين، وذهبت دول إلى حد التعامل العسكري مع قوارب الموت التي تحملهم، فيما كلنا يعلم أن ضغط هذه المنظمات على الحكومات يمكن أن يثمر الكثير مما يمكن إنجازه على الصعيد الإنساني في التعاطي معهم، رغم عدم إنكارنا للاستيعاب الحالي لهم في الدول الغربية.

الصور المأساوية التي نراها في شواطئ البحار أو عند الحدود تجعل الفكرة الإنسانية مشوشة، لأن الذين ساقتهم أقدارهم إلى هذا المصير القاسي، لا ملاذ لهم غير أن تفتح الحدود، فالمعادلة بسيطة وهي أن الأمن الذي يبحثون عنه وهربوا لأجله أمام أعينهم حيث ركبوا القوارب أو وصلوا الحدود، ومن ورائهم الموت في بلدهم أو الغرق أو الجوع، وكل الطرق تؤدي إلى الموت، فماذا تفعل المنظمات الإنسانية والحقوقية الغربية وقد وصل اللاجئون إلى مشارف دولها؟

صورة الطفل السوري الغريق التي تداولها العالم أخيرا، أصبحت التعبير اللاأخلاقي لأزمة الضمير العالمي، ولذلك تناولتها صحيفة الإندبندنت البريطانية التي قررت نشر الصور الواضحة في موقعها الإلكتروني وبررت ذلك قائلة “وسط الكلام المنمق حول أزمة المهاجرين المعتملة، من السهل نسيان حقيقة الوضع المأساوي الذي يواجهه العديد من اللاجئين”. وقالت ايفيت كوبر، المرشحة لزعامة حزب العمال البريطاني المعارض، إن الصورة تثبت “أننا لا نستطيع أن نتجاهل هذا الموضوع”، وأضافت “عندما تجاهد الأمهات لمنع أطفالهن من الغرق بعد انقلاب الزوارق التي يستقلونها، يجب على بريطانيا أن تتحرك”.

تلك الصورة حقيقية ولم تخضع لفوتوشوب لاستدرار العطف أو للفت الانتباه وإثارة الاهتمام لقضية إنسانية هي الأسوأ عالميا، ووصمة عار في جبين الإنسانية، فذلك الطفل الذي كان يحمله جندي تركي، وبقية أفراد المجموعة التي كان معها سوريون من بلدة عين العرب (كوباني) كانوا قد فروا إلى تركيا في العام الماضي هربا من مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتم تأكيد ذلك في وسائل إعلام تركية وتحققت من هذا الأمر وسائل إعلام أخرى على غرار الصحف البريطانية، وبالتالي لا مجال للهروب من مواجهة لحظة الحقيقة وهي أن الغرب تعامل بمنهج غير إنساني، وبدلا من التصدّي لقوارب الموت والتعامل معها كمهربين، كان الأفضل أن يعقد نواب البرلمان الأوروبي جلسات للوصول إلى حالة إنسانية متوازنة بين مقتضياتهم الأمنية وحقيقة لجوء هؤلاء الضحايا إلى بلادهم.

بالتأكيد لا نفرض سلوكا إنسانيا على الغرب، ولكننا نشير إلى أن فرار المهاجرين كان صوب بلادهم التي تزعم امتلاك الكثير من القيم الإنسانية، وكأن لديها فائض أخلاقي وإنساني تعلمه للآخرين، فيما هي أمام حالة تطبيقية مباشرة سقطت في اختبارها بجدارة، ولا يمكن توجيه اللاجئين إلى البلاد العربية بالإكراه، لأن الفارين في حالة لا تسمح لهم بتحديد الخيارات، ومن اختار البلاد العربية وجد كثيرا من التسهيلات والدعم والاحتضان، غير أن الذين اتجهت بهم أقدامهم غربا يفترض أن يجدوا معاملة إنسانية أرقى وأفضل من الموت والذل، بعكس المبادئ والشعارات الإنسانية التي يتشدق بها الغرب بمناسبة أو دون مناسبة، حتى أن رد الفعل على صورة الطفل المتكئ ميتا لم تستفز إنسانيتهم إلا في نطاق محدود كما في الحالة البريطانية، وإذا تراجعت قيمهم الإنسانية فهذا شأنهم، ولكنها لحظة تاريخية وعالمية فارقة فيما يقولونه ويفعلونه حتى تصبح الأمور أكثر وضوحا في الحاضر والمستقبل.

كاتبة سعودية

التعليقات مغلقة.