الكرد في صحافة الغرب

31

هشام الدولة الكردية: عامل استقرار في الشرق الأوسط أم مصلحة أمريكية مؤقتة؟!

 

تعددت الآراء والتحليلات في الصحافة الأمريكية والأوروبية بخصوص مسألة قيام الدولة الكردية، وكان هنالك تغيراً ملحوظاً في مواقف الدول الأوروبية في الوقت الراهن مقارنة بأوائل القرن المنصرم عندما عارضوا ذلك بشدة وقسموا كردستان بين أربعة دول، أما الموقف الأمريكي الرسمي فمازال متذبذباً يشوبه الغموض والتناقض.

وفي هذا الصدد، يناقش المؤرخ العسكري الأمريكي والمحلل في السياسة الدولية ماكس بوت مسألة قيام الدولة الكردية من وجهة نظر أمريكية في مقال منشور بمجلة “كومنتاري” الأمريكية اليومين الماضيين:

لقد أسفر استمرار الاضطرابات في العراق عن المزيد من المشاكل والشروخ بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، وخاصة بعد الاتفاق بين الحكومتين في كانون الأول/ديسمبر الماضي الذي جعل حكومة اقليم كردستان توقف مبيعاتها النفطية من جانب واحد. وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن “الحكومة المركزية في بغداد قد أوقفت الدفعات المالية إلى أربيل بعد بدء الصفقة وذلك بسبب أزمة في ميزانيتها ومتهمة الكرد في الوقت ذاته بعدم نقل الكميات المتفق عليها.”

ونتيجة لذلك بدأت حكومة إقليم كردستان بتصدير نفطها مرة أخرى دون المرور بمؤسسة تسويق النفط الحكومية في بغداد. ومنذ شهر أيار ذكرت الفاينانشال تايمز أن “الكرد قد باعوا حوالي 40 مليون برميل للتجار عبر ميناء جيهان التركي.”

وفي الوقت نفسه في روجآفا (شمال سوريا) نرى أن القوات الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب (YPG) تشن هجمات على مناطق سيطرة داعش. في الواقع تعتبر هذه القوات التي تضم ما يقارب 35 ألف مقاتل مسلح هي القوة العسكرية الوحيدة التي حققت نجاحات باهرة في دحر داعش، وبمساعدة القوات الجوية الأمريكية أيضا. وتأتي هذه المكاسب في الوقت الذي صعّد حزب العمال الكردستاني (PKK) من هجماته داخل تركيا، مما أثار قلق رجب طيب أردوغان فأمر الطائرات التركية بقصف مواقع في شمال سورية. وهنا تزعم تركيا أنها تستهدف داعش، إلا أنها توفر المزيد من ذخيرتها لتوجيهها نحو الـ(PKK) واتباعها.

إن ما يحدث الآن في المنطقة له أهمية كبيرة رغم الهجمات التركية الشرسة. فالأمر ليس مجرد صراعات داخلية لدول الشرق الأوسط، ولكن يمكن القول أن الصفائح التكتونية (1) للمنطقة في تغير كلّي. فالكرد على سبيل المثال وهم من أكبر المجموعات العرقية التي لا تملك دولة يقتربون من بلوغ نوع من الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال. فإقليم كردستان يكاد يكون دولة ذات سيادة داخل قوقعة فارغة تدعى العراق. وفي الوقت ذاته تنحت القوات الكردية في سورية (YPG) دويلة كردية. وقد لا يكلف الأمر الكثير من الجهود لضم الاقليمين الكرديين وبالتالي خلق دولة كردية فعلية وحقيقية في شمال العراق وسوريا.

إلا أنه ما تزال هنالك عقبات كثيرة في الطريق لا تنحصر بالأتراك والايرانيين الذين يسيطرون على مناطق كردية في بلدانهم فحسب، بل بالعرب في سوريا والعراق أيضا. فهذه الأطراف لن تدعم قيام الدولة الكردية أبداً، إلا أن المناطق العربية في سورية والعراق تعتبر مشلولة في الوقت الراهن ومعارضتهم لقيام الدولة الكردية باتت أقل أهمية من أي وقت مضى.

ومن المؤكد أنه لن تعود سوريا ولا العراق الى شكلهما السابق. فما هو معروف بسوريا أو العراق ليس قديما قدم التاريخ وإنما يعود الى ما قبل الحرب العالمية الأولى فقط وقامت بريطانيا وفرنسا برسم الحدود آنذاك. وقبل ذلك كانت هناك حدود لدولة كردية، فمن يستطيع أن يجزم أن إعادة تغيير خارطة منطقة بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام مجدداً قد لا يؤدي إلى إنشاء دولة كردية؟!

وعلى الرغم من الدعم الأميركي الاعتيادي للحدود التي تقام حالياً في جميع أنحاء العالم، من الصعب أن نرى لماذا نقف في طريق مثل هذا التطور في حال حدوثه. فالكرد علمانيين ومؤيدين للغرب أكثر من أية مجموعات دينية أو عرقية أخرى في المنطقة غير مسيحيي لبنان ويهود اسرائيل. فالكرد رغم خلافات بعض أحزابهم مع الإدارة الأمريكية (كحزب العمال الكردستاني) يعتبرون الأفضل بين البدائل الأخرى المطروحة، مقارنة مع الجهاديين السنة والشيعة. و هذا طبعاً لا يعني أن على الولايات المتحدة أن تجعل تحقيق قيام دولة كردية هدفاً أساسياً، ولكن يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير بمعارضتنا لهذه المسألة.

—————————

(1) نظرية الصفائح التكتونية أو تكتونيات الصفائح هي النظرية العلمية التي تصف الحركات الكبرى لغلاف الأرض الصخري. اعتمد هذا النموذج النظري على مفهوم نظرية الانجراف القاري التي طُرحت في العقود الأولى من القرن العشرين.

 

*هشام عرفات: مترجم كردي من روجآفا ومراسل جريدة الاندبندنت البريطانية في كردستان.

hisham-arafat@hotmail.com

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 26 بتاريخ 2015/9/1

 

مقالات

التعليقات مغلقة.