بين الثورة الاجتماعية و السياسية … ارتباك النخبة!!؟؟

165

 

عدنانيقول شيخنا الأكبر العلامة احمد خاني :

الناسك في معتكفه مقيد بذكر إلهه

والتاجر الجوال يسعى وراء ديناره

والعاشق المحب في انتظار اللقاء

فلتعلم أن كل واحد بلا ريب مهتم بأمر نفسه

للأسف الشديد حتى في زمن التغيير ” كل واحد بلا ريب مهتم بأمر نفسه ” وهذا لا يعود فقط إلى الفساد التربوي الفكري المتجذر في مفاصل المجتمع السوري منذ عقود ، بل يعود أيضاً الى جهل أو تجاهل واضح من النخبة في ادراك وتناول الفروقات بين ” الدولة و الأمة  ” و بين ” الأمة و الفرد ” و بين ” الدولة و النظام السياسي ” وبين ” النظام السياسي و النظام الاجتماعي ” و بين ” الموروث الاجتماعي و الموروث الفكري “.

هذا اللغط المقتصد بين كل تلك المحاور هو لتمييع الثورة الاجتماعية و التهرب من إعادة النظر في ما يتعلق بالضرورات المفرزة من قبل الشارع مثل  إعادة تعريف الأمة و العقد الاجتماعي اللازم لبناء الدولة الحديثة ،وأكثر ما يتجلى هذا الموقف من النخبة السورية هو أمام القضايا المتعلقة بالكرد بشكل صارخ، فالوحدة الجغرافية تتجلى عند تناول حقوق الكرد دون الإقرار بضرورة إعادة تعريف الأمة السورية.

المركزية السياسية : تصبح ضرورة عند ذكر دور الكرد الإداري الذاتي لأنفسهم دون الإقرار من قبلهم بإعادة تعريف النظام  وللأسف تجتمع النخبة السورية المؤيدة والمعارضة معا في هذه النقاط طالما الطرح متعلق بالكرد، لكن الأكيد والإيجابي في المأساة السورية أن كل شيء وصل الى مرحلة اللاعودة ، وأن حجم الخراب النفسي لم يعد يتقبل أي مشروع مريض غير علمي ولا يراعي أسس ولادة الدول من إعادة تعريف الأمة و حمل مشروع سياسي قابل للحياة ، ومنه فإنه لا بد من الإدراك أن ولادة  الدولة في زمن الثورات هي نتاج حراك فكري اجتماعي متحرر من أديولوجيات الماضي الاجتماعي و السياسي ، وهنا نقطه الطرح التي نحتاج التوقف عندها . مع النخبة السورية . أيُّ شكل من أشكال الدولة نحن ذاهبون إليه في ظل ارتباك الفكر الاجتماعي و عدم نضجه لطرح نموذجه الذاتي:

 الدولة الجمهورية – الدولة المدنية المركزية – الدولة الفدرالية ؟؟!!

ما نجده في الواقع السوري النخبوي هو انعكاس للاستقطاب السياسي المعتمد في كركبته على تبعيته المشتتة ”  إقليما سياسيا ” و ” فكريا أديولوجيا ” ، وخير مثال نتناوله على هبوط النخبة لسلم أخفض فكريا من الشارع العام العفوي في تصرفاته والصادق في بوصلته دوما، هي :

الأولى حملة : أنا سوري من تل أبيض حملة نخبوية منطلقة من زاوية أديولوجية قاصرة موروثة من الفكر البعثي المصبوغ على الحياة السورية و المنبثقة أيضاً من تربية عميقة لشريحة سورية وعراقية تجلب من اللاموروث إلى الضوء لمواجهه  أي مشروع إداري أو فكري كردي، هذه الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي و التي ظهرت بعد طرح الإدارة الذاتية إدراج تل أبيض لإدارتها ، حركت شريحة تمثل النقطتين الأساسيتين في معضلة الفكر السوري الثوري والتربوي ”  أديولوجيا السياسة التبعية وهنا لتركيا – و أديولوجيا التربية القومية الشاملة “.

الثانية بيان : سوريا فوق الجميع بيان نشر قبل فتره من قبل نخبة عربية و كوردية، كل من شارك في حملة أنا سوري من تل أبيض، كان من الموقعين على البيان في رؤية تمثل الخلط الفكري بين الثورة الاجتماعية و السياسية و ارتباك المثقف بين عمقه الأديولوجي الاجتماعي الغير قادر على تغييره والتخلي عنه، واقتصاره على التغيير السياسي وفق مصالحه أيضاً، الخوف من المزيد من الدم يدفع الكثير بصدق إلى تمييع التغيير الأديولوجي الاجتماعي و الاكتفاء ببعض الصياغات الغير كافيه لإحداث ثوره فكرية على التربية الاجتماعية بما يخص الانتماء و العقد التعايشي ، هذا الارتباك  وهذا الخوف كان وراء مجموعه الأسئلة تلك طرحت منذ الأشهر الأولى من الثورة السورية على الحراك بكل أطيافه من قبل الكثير من الباحثين، كانت بشكل أو بآخر تترجم الخوف من اختزال الضرورات في بعض الشعارات. لننصطدم  بالوضع الفكري الذي نحن فيه. فشل الثورة السورية ليس عدم وصولها الى مبتغاها السياسي بل في إعادة قولبة الأمراض الفكرية للعقد الاجتماعي بصيغ تنسجم مع شعارات الثورة دون أي حلول، لتثبت مقولة ” الوعي الاجتماعي يسبق الحراك السياسي ” وهذا فقط على مستوى النخبة وليس الشارع .

إسقاط النظام السياسي  أم إسقاط البعث؟ إسقاط النظام الأسدي أم إسقاط المنظومة الأمنية؟ إسقاط المجتمع أم إسقاط الدولة؟  ثورة لتغيير القانون أم العقد الاجتماعي ؟؟ أي حراك يجب أن يؤمن بضرورة تغيير فكري للمجتمعات وأي تغيير سياسي سيفرز معادلات أكثر إساءة لهذه الشعوب مستقبلاً، سوريا ليست فوق الجميع و الجميع ليسوا بمنأى من التغيير..

المدير التنفيذي لمركز النورس للدراسات المتوسطية .

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 26 بتاريخ 2015/9/1

 

مقالات

التعليقات مغلقة.