في اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية

184

 

سالارمع استفحال الأزمة السورية والبحث الجاد عن حلول لها من خلال رسم تصور سياسي لمستقبل سوريا وشكل الدولة ونظام الحكم وأسلوب الإدارة فيها, والجهود التي تبذلها جهات متعددة من نخب سياسية وثقافية في هذا الإطار, كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الفرق بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية فيما دخل مصطلح آخر نطاق التداول كما ورد في البند رقم (20) من الميثاق الوطني السوري الذي أقر في القاهرة من قبل بعض قوى المعارضة السورية تحت مسمى اللامركزية الديمقراطية, وهو مصطلح ضبابي فضفاض ليس له أي مفهوم قانوني محدد ولكن من خلال متابعة شرح البند نجد أنه لا يتجاوز مفهوم اللامركزية الإدارية والذي يطبق في الدول الموحدة (البسيطة) من خلال نظام الإدارة المحلية, إذ ورد في البند رقم 20 سالف الذكر : ( تعتمد الدولة مبدأ اللامركزية الديمقراطية, بحيث تقوم الإدارة المحلية على مؤسسات تنفيذية تمثيلية تدير شؤون المواطنين والتنمية في المحافظات والمناطق, بهدف الوصول إلى تنمية مستدامة ومتوازنة)).

جوهر التمييز بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية هو أنّ اللامركزية الإدارية تطبق في الدول الموحدة (البسيطة) في حين أن اللامركزية السياسية تؤثر على شكل الدولة فعند تطبيقها يلزم أن يتحول شكل الدولة إلى دولة اتحادية (فيدرالية), ولبيان الفرق بين المصطلحين لابد من توضيح المفهوم القانوني للمركزية الإدارية واللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية:

الدولة الموحدة والمركزية الإدارية:

قد تأخذ الدولة الموحدة أو البسيطة بنظام المركزية الإدارية والذي يقضي بتركيز ممارسة الوظيفة الإدارية بيد السلطة المركزية في العاصمة عن طريق موظفين تابعين لها وفق سلم إداري منظم الدرجات, يخضع فيه كل مرؤوس لسلطة رئيسه من الأدنى إلى الأعلى حيث يوجد الرئيس الإداري الأعلى الذي تتركز بيده السلطات الإدارية.

الدولة الموحدة واللامركزية الإدارية:

قد تأخذ الدولة الموحدة أو البسيطة بنظام اللامركزية الإدارية, ويقضي نظام اللامركزية الإدارية بتوزيع ممارسة الوظيفة الإدارية في الدولة بين السلطة المركزية في العاصمة وبين هيئات مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية: محلية أو إقليمية (محافظات, مدن, بلدان, بلديات) , ومرفقية أو مصلحية (مؤسسات عامة أو هيئات عامة), بحيث تتمتع هذه الهيئات المستقلة بسلطة البت والتقرير بالاختصاصات التي يخولها لها القانون, وذلك تحت إشراف السلطة المركزية, التي تمارس على هذه الهيئات نوعاً من الرقابة الإدارية تسمى بالوصاية الإدارية.

إذاً فالمركزية الإدارية واللامركزية الإدارية نظامان يتعلقان بكيفية توزيع وممارسة الوظيفة الإدارية في الدولة, وليس بكيفية تنظيم وممارسة الوظيفة الحكومية, فسواء أخذ بهذا النظام أم ذاك فإنّ ذلك لا يمسُّ وحدة السلطة السياسية التي هي مظهر من مظاهر الدولة الموحدة أو البسيطة: إذ يظل هناك دستور واحد للدولة, وقوانين واحدة, وحكومة واحدة, ولذلك فالدول البسيطة يمكن أن تلجأ إلى أيٍّ من الأسلوبين لتنظيم ممارسة الوظيفة الإدارية دون التأثير على شكلها السياسي والدستوري باعتبارها دولة موحدة أو بسيطة.

ولا يخرج مصطلح اللامركزية الديمقراطية آنف الذكر عن هذا النطاق حيث يندرج في إطار اللامركزية الإدارية والتي تطبق ضمن النظام الإداري للدولة الموحدة أو البسيطة , أي أنّ اللامركزية الديمقراطية هي اللامركزية الإدارية ذاتها مع توسيع الصلاحيات التنفيذية لمؤسسات وهيئات الإدارة المحلية في الأقاليم بموجب القانون, ولكنها تبقى تابعة حكماً للحكومة المركزية في العاصمة, وتأتمر بأوامرها.

اللامركزية السياسية والدولة الاتحادية:

اللامركزية السياسية نظام سياسي وقانوني وإداري يحظى بأقوى ضمان قانوني وهو الدستور الذي ينظم الحياة السياسية والقانونية والإدارية في الدولة الاتحادية (الفيدرالية)، ويقتضي نظام اللامركزية السياسية توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دستورياً بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية في الأقاليم، وبالتالي عند تطبيق اللامركزية السياسية يتحول شكل الدولة حكماً من دولة موحدة (بسيطة) إلى دولة اتحادية (فيدرالية).

فإلى جانب السلطات الثلاث الأساسية للدولة الفيدرالية : التشريعية والتنفيذية والقضائية, نجد سلطات مماثلة : تشريعية وتنفيذية وقضائية في كل إقليم من أقاليم الاتحاد, وإلى جانب الدستور الفيدرالي يوجد دستور خاص بكل إقليم عضو في الاتحاد, ما معناه وجود ازدواج في التنظيم السياسي الذي يمارس السيادة الداخلية, بحيث تتوزع بين سلطات الدولة الفيدرالية (الاتحاد) وسلطات الأقاليم الأعضاء في الاتحاد , فسلطات الدولة الفيدرالية تمارس السيادة المسندة إليها مباشرة من شعب الاتحاد , وسلطات كل إقليم من أقاليم الاتحاد تمارس أيضاً السيادة المسندة إليها من شعب هذا الإقليم , وليس مجرد وظائف سياسيةـ إدارية أعطيت لها من قبل الدولة الفيدرالية.

وبالتالي فإنّ اللامركزية السياسية هو نظام يهتم بكيفية تنظيم وممارسة الوظيفة الحكومية وتوزيع السلطات الأساسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بين المركز والأقاليم في الدول الاتحادية ( الفيدرالية), في حين أنّ اللامركزية الإدارية تهتم بتنظيم كيفية توزيع وممارسة الوظيفة الإدارية داخل الدول الموحدة ( البسيطة).

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 26 بتاريخ 2015/9/3

 

مقالات

التعليقات مغلقة.