لجوء عند الخالة ميركل

30

 

2311

وحشة.. زاوية يكتبها: طه خليل 

 

” هم يأتون إلى بلادنا رغم أن مكة أقرب إليهم.” قالت هذا الكلام المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، في معرض تعليقها على ما يلحق بالمهاجرين واللاجئين الفارين من نعيم ” الاسلام ” و ” دولته ” أو من برابرة العصر وطغاة الاستبداد في المشرق العربي والاسلامي بشكل خاص، وقضية اللجوء أو الهجرة قديمة قدم الإنسان، فمنذ إن وجدت السلطة وجد ضحاياها، فمنهم من حارب وناضل واستشهد لتغييرها، ومنهم من يأس من التغيير فيمّمَ وجهه شطر المَهاجـِر هربا من الملاحقات والقتل، وبالطبع لم يقتصر اللجوء على هذا السبب، فثمة أسباب إثنية ودينية واقتصادية وثقافية وغير ذلك، إلا أن اللاجئ كان هو نفسه، وكانت المعاناة هي نفسها، ومنذ يومها و” الشرق المسلم ” ينزف طاقاته، ويضخّه باتجاه ” الغرب الكافر”.

كانت ألمانيا ولا تزال الوجهة الأكثر إغراء بالنسبة للاجئين لـِما سنـّتـْه من قوانين  تتساهل مع المهاجرين  لجذب اليد العاملة لاسيما بعد حملة سنوات الإعمار التي تلت الحرب العالمية الثانية، ولاشكّ أن قضية الهجرة أو اللجوء اتسعت واتخذت أبعادا تجارية أو شبه تجارية، فوجد مصطلح تجارة البشر، أو تجارة التهريب، والتحايل على السفارات والقنصليات الغربية للحصول على تأشيرات دخول، لينطلق بعدها الزائر إلى بلاد أخرى كلاجئ.

كان للكرد نصيبهم الأوسع من الهجرة على مدى سنوات القهر، لاسيما في شمال كردستان وجنوبها، بسبب الثورات الكردية وقمع السلطات المحتلة للشعب الكرديّ، وبالطبع لم يهاجر فقط ممن تعرض للظلم أو الاضطهاد، حيث صار اللجوء أشبه بثقافة تداولتها الفئات الفقيرة طمعا بالغنى، أو بالوصول إلى جنات الغرب التي ما فتئ المهاجرون يعددون محاسنها لذويهم في الوطن، ويؤكدون على أقوالهم بإرسال حصادات “الجوندر” وتراكتورات “الفورتشريت” الالمانية، لتنهب الأرض نهبا، ” فيُنَكـّس ” الأب في الجزيرة ” عقاله ” في المضافات متحدثا عن مآثر آلات أرسلها ابنه المصون المقيم في ألمانيا، فينظر الآخرون إليه بحسد ظاهر، وما أن يعود الرجل منهم إلى بيته حتى يهجم على معصم زوجته ليبيع ذهبها ويقدمه مهراً لمهرّبٍ يوصل ابنه إلى بلاد العمة ميركل، لعلّه يرسل هو الآخر حصادة للأب المقهور.

ومنذ أربع سنوات في روجآفايي كردستان وسوريا صار الفرار من البلد حلماً لدى الكثيرين ولكل أسبابه ومبرراته، فمنهم من يهرب لأنه يعاني من ” آساييش ب ي د ” بعد زوال ” النظام ” ومنهم من يفرّ من كتاب يكسرون أرجل بعضهم، ومنهم من يريد أن يلحق بركب المثقفين والكتاب والصحفيين الذين ينعمون بانترنيت سريع وحرية يقمعها الأهلون هنا، لِمَ لا, فكم من أنصاف رجال وأنصاف متعلمين وأنصاف بشر ومعتوهين غادروا هذه الارض وما إن حطوا ركابهم عند الخالة ميركل حتى استضافتهم قناة أورينت وكتبت تحت صورهم ” كاتب وشاعر” أو صحفي وناشط سياسي” أو حتى ” أمين عام أو سكرتير حزب.. وها هنا كان أضعف أن يبيع الفلافل في سوق الجمعة الذي كان من قبل مكانا لتظاهراته.

هذه الأرض نصل الروح، ومن لا يتقن أَلـَق الروح سيلحق بالعمة ميركل، وسيمدحها طويلا وهي تقدم له خيمة ينام فيها، وبيت خلاء يقف على طابوره ساعات كي ينهي السيريلانكي والصومالي والكيني والداعشي خراءه، ناسيا أنه قبل أيام كان يتحدث عن ثورة أشعلها بوجه الطغاة و أسس جيشا مغوار لبناء ” كوووردستان  ” تلعلع فيه الواو, وترمي واوة هيفاء وهبي على مزابل التاريخ.

يا لوحشة الأرض.. ويا لوحشة الانتماء الهشّ، ويا لوحشة زمزم أحضره آباؤنا لنا من مكة آل سعود.

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 26 بتاريخ 2015/9/1

التعليقات مغلقة.