من تيه الكردي إلى الأخدود! قراءة في مقالة المهندس أكرم حسين حول تصريحات السيد عبدالحميد درويش

41

عدنان محمد

بدون عنوان-1

أولاً: الحوار مع النظام (التفاوض)

“التفاوض هو خير وسيلة لحل المنازعات السياسية”

نلسون مانديلا

………….

 

“فكعادته أطلق السيد حميد درويش … قنبلة من العيارالثقيل،” أربكت المشهد السياسي الكوردي السوري ، بدعوته الصريحة والمفاجئة بالحوار مع النظام  مبدياً أسفه على عدم تلبية دعوة “رئيس الجمهورية “واصفاً هذا الرفض بالخطأ،” من مقالة السيد أكرم حسين.

الحوار يجب ألا يكون مرفوضاً من حيث المبدأ، مع أي طرف كان في النزاع؛ كونه يملك جزءا من الحل، وعلى الساسة الكرد أن يكونوا جاهزين للحوار في أي وقت، ومع أي طرف، حتى النظام نفسه فهو شريك رئيسي في النزاع، سعيا من الساسة تأمين حقوق شعبنا الكردي بأقل تكلفة.

كما هو معرف فالحركة السياسية الكردية في سوريا تسعى لتأمين البعض من حقوق الشعب الكردي لا تكاد تذكر! وهي غير واضحة المعالم حتى الآن، ولا تسعى إلى استلام السلطة في سوريا، ربما تحلم أن تكون شريكا متواضعا فيها، وهي تعلم تماما أن المعارضة السورية بكل أطيافها، وبالأخص المعتدلة منها “ديمقراطي الأمس، شوفيني اليوم، مستبدي الغد”، ستحاربها كما تحارب النظام الآن إن لوحت بحقها في السلطة.

إن الحوار مع نظامٍ “وهنت قواه”، سيمكن المفاوض الكردي من انتزاع مكاسب أكثر، وهو الآن كما تعلم، ويعلم الجميع: أن النظام لا يزال يملك مفاصل الحياة في كردستان الملحقة بسوريا، والعزوف عن الحوار معه في هذه اللحظات العصيبة أو حتى الليلة التي تسبق سقوطه، يعتبر خطأ تاريخياً جسيماً؛ إن لم تكن جريمة نكراء بحق شعبنا الكردي.

أما بصدد دعوة السيد رئيس الجمهورية للحوار مع قادة الحركة السياسية الكردية:

لقد أصاب النظام السوري الهلع في بداية الثورة السلمية السورية، نتيجة ما جرى في تونس ومصر لذا دعى السيد رئيس الجمهورية القادة الكرد إلى الحوار، وفي رأينا فإن قيادة الحركة الكردية قد ارتكبت خطأً جسيماً لرفضها الحوار، وأضاعت فرصة تاريخية ربما لم تحظى بها مرة أخرى، كانت ستثمر عن مكاسب قيمة للشعب الكردي أقلها؛ الاعتراف الدستوري بالقومية الكردية، وقد ابدى السيد رئيس الجمهورية حينها؛ حسن نية تجاه الكرد حين أصدر مرسوم تشريعي بإعادة الجنسية السورية للأكراد الذين جردوا منها عام 1962م، كما أنه المرسوم التشريعي 49 لعام 2008والذي يمنع التملك والبناء في المناطق الحدودية إلا بعد الحصول على تراخيص وزارية من الصعب للكرد الحصول عليها.

والسيد عبدالحميد درويش لم يأتي بمنكر حين أبدى رغبته في الحوار مع النظام، ألا تفاوض المعارضة السورية النظام، ماذا تسمي إذاً جنيف1؟ جنيف 2؟ لقاءات موسكو؟…أليس ذلك حواراً مع النظام!

ألم يفاوض أكراد العراق وعلى رأسهم قائد الثورة الكردية الخالد ملا مصطفى بارزاني منذ عام 1943م النظام العراقي.

“في أواخر كانون الأول من 1943م جرى في ميركه سور مفاوضات بين (ضابط الاتصال) من قبل حكومة بغداد وقائد الثورة الكردية مصطفى بارزاني الذي قدم لهم جملة من المطاليب.(من كتيب “دوسيه بارزاني في محفظة ستالين الفولاذية” ترجمة وتقديم د. إسماعيل حصاف 2008)

وحتى اتفاقية آذار 1975 ألم تكن نتيجة مفاوضات مباشرة مع النظام العراقي؟

والسيد مسعود بارزاني، والسيد جلال الطالباني أجروا مفاوضات مع الأنظمة العراقية المتعاقبة عدة مرات حتى مع صدام حسين في بغداد عام 1991م حين كان النظام العراقي في أضعف مراحل حكمه، فقد كان خارجاً لتوه من هزيمة في معركة مع تحالف دولي دمرت معظم قواته، وهب الشعب العراقي في انتفاضة آذار (الشعبانية وفق تسمية الجنوب العراقي) وكان على وشك السقوط؛ مع ذلك رأت القيادة الكردية الحكيمة في العراق أن تحقن دماء الشعب العراقي من كرد وعرب وسريان وقوميات أخرى، فلبت الدعوة إلى المفاوضات لتأمين بعض الحقوق القومية للشعب الكردي في كردستان العراق، وتعلمون أن صدام حسين قد استخدم كافة أنواع الأسلحة ضد الشعب الكردي حتى المحرمة دولياً من أسلحة كيميائية، وغيرها… وحملة الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 182 ألف مواطن كردي، وثمانية آلاف من البارزانيين معظمهم دفنوا بعد التعذيب أحياءً، بيد نظام صدام حسين، مع ذلك لم تتوانى الحركة السياسية الكردية في العراق من إجراء مفاوضات مع صدام حسين وأركان نظامه، هل تعتبرون ذلك خطأً؟ أم خيانة من الحركة السياسية الكردية في العراق؟ طبعا وفق اسقاطاتكم على السيد عبدالحميد درويش.

ألم تفاوض الحركة الشعبية في جنوب السودان بقيادة د.جون غرنغ النظام السوداني بعد أن دام حربهم لسنوات طويلة؛ من أجل الحصول على استقلال بلاده؟ وقد تحقق له ذلك.

هل توانى المناضل نلسون مانديلا من التفاوض مع نظام بريتوريا العنصري في جنوب أفريقيا؟

ألم يفاوض الرئيس المصري السابق أنور السادات اسرائيل بعد عداوة دامت ثلاثين عاماً وابرام اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م واسترجع بموجبها كافة الأراضي المصرية من دولة إسرائيل التي تم احتلالها في أيام الرئيس المصري “الثورجي” جمال عبدالناصر الذي خسر حربين مع اسرائيل، ولم يتمكن السادات نفسه من استرجاعها في حرب أكتوبر(تشرين الأول) 1973م، رغم أن عدد سكان مصر كانت تعادل يومها أكثر من عشرين ضعفا لسكان إسرائيل، والذين رفضوا الحوار مع إسرائيل لاتزال أراضيهم محتلة، وأثرت ذلك بشكل سلبي كبير على حياة شعوبهم، وتقدم بلدانهم.

ويقول السيد أكرم حسين، معنيا بقوله السيد عبدالحميد درويش: “واكد موقفه هذا برد ايجابي فيما لو طلب منه مقابلة رئيس الجمهورية في حواره مع موقع بوير برس الالكتروني، في وقت بدأ يتداعى فيه النظام ، ويخسر الكثير من اوراقه الداخلية والخارجية ، بعد عاصفة الحزم وتقدم المعارضة واشتداد الازمة الاقتصادية ،وانخفاض سعر الليرة السورية امام الدولار ،والاتفاق على الملف النووي الإيراني،…”.

إن أنسب وقت للتفاوض، هو أن تكون في موقف قوة، وخصمك في موقف ضعف، إنك ترى النظام في أضعف مراحله الآن، مع أنني لا أتفق معك في ذلك، إن صدق تحليلك فأنسب وقت للتفاوض معه هو الآن، النظام فقد أوراقه الخارجية على حد تعبيرك، و أكتسب الأكراد الكثير من الأوراق الخارجية بفضل دفاعهم عن نفسهم ضد الإرهاب، فأصبح لهم أصدقاء أقوياء في العالم – وليست فقط جبالهم الجرداء -.

أما تسوية الملف النووي الإيراني يعتبر عامل قوة للنظام ويطيل في عمره، وليس إضعافا له كما تعتقد.

 

 

ثانياً: القرار الكردي في معلف الائتلاف

في الجزء الثاني من مقالته يعيد السيد أكرم حسين النظر في مسألة الحوار مع النظام، فيقول: “ واذ كان الحل السياسي بالنهاية هو المخرج الوحيد لما يجري في سوريا ،… ولا يمكن للكورد بمفردهم محاورة النظام ،لانهم جزء من ائتلاف قوى الثورة والمعارضة فأي حوار او تفاوض قد يحدث في المستقبل ، يجب ان يكون بالتشاور والتشارك مع هذه القوى

فهو إذاً لا يمانع الحوار مع النظام، فقط يشترط، أن يكون تحت مظلة الائتلاف (المعارضة الاسلامية)، متجاهلاً أن المشترك بين النظام، ومكونات ائتلاف قوى الثورة والمعارضة تجاه القضية الكردية، أكثر بكثير من المشتركات بين الكورد وقوى الثورة والمعارضة التي تعتاش على دماء الشعب السوري، في استنبول وغازي عنتاب …، فهذه القوى حتى الآن ترفض أن تسمى البلدات والقرى الكردية بأسمائها الكردية، ولاتزال تصر على منهج التعريب، فكيف لها أن تقر بالحقوق القومية للشعب الكردي؟

كما أن الثورة السورية تحولت إلى ثورة مسلحة، إن لم نقل ثروة لقوى الثورة والمعارضة، اتخمت الجيوب، وقلما تأتي الثورات المسلحة بأنظمة ديمقراطية، بل على الأغلب تأتي بأنظمة أكثر ديكتاتورية من التي سبقتها، أو تأتي قيادات فاسدة بالحرية لشعوبها، فلا تجلب العنف الحرية أبداً.

” خيار استخدام العنف مهما كانت حسناته يعكس بوضوح أمراً واحداً وهو أن اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه.” (جين شارب، من كتيب من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، الناشر مؤسسة ألبريت انشتاين)

إن لم يكن بإمكاننا الاستفادة من تجارب غيرنا من الشعوب، فعلى الأقل يجب أن نستفيد من تجاربنا؛ الأكراد كما تظهر الدراسات في عشرينيات القرن الماضي كانوا الأغلبية في سوريا، وقد انخرطوا في الثورة ضد الفرنسيين، وتبوؤا الصدارة فيها، في معظم المناطق السورية، الجزيرة، حلب، حمص، حماه، تل كلخ، دمشق، ريف دمشق، حوران،… إلى أن حصلت سوريا على استقلالها في 17 نيسان 1946م، واستلم الكرد رئاسة الدولة، ورئاسة الوزراء، وحقائب وزارية عديدة، في عدة حكومات، ثم عمد شركاءهم في الوطن إلى إقصائهم من الحياة السياسية يوما بعد يوم، حتى أصبح وزير الدفاع توفيق نظام الدين الكردي الأصل مجرداً من الجنسية السورية، وطبقت بحقهم المشاريع العنصرية بشكل ممنهج، من حزام عربي، وتجريد الفلاحين الكرد من أراضيهم، وتوزيعها على عرب المستوطنات، وحرمان الأكراد من الوظائف حتى المتوسطة في الدولة، وحرمان المنطقة الكردية من التنمية بكافة أشكالها، لإجبار المواطنين على النزوح منها باتجاه الداخل السوري، أو أوروبا، للتغيير الديمغرافي فيها، وجاءت تلك السياسة بأكلها، ولم يشفع لهم شراكتهم في الثورة والوطن.

الأكراد ليسوا بديلاً للنظام السوري، ولن يكونوا، لديهم مطالب قومية للشعب الكردي، وهي قابلة للتحقيق، في ظل النظام الحالي، والنظام يسعى أن يظهر أمام المجتمع الدولي بأنه الحامي للأقليات في سوريا، ولا تكلف عليه تلبية الحقوق القومية للشعب الكردي شيئاً، وتلبية حقوقنا القومية لا تضر بباقي مكونات الشعب السوري، بل سيحقق الاستقرار في سوريا، حوار الكرد مع النظام منفردين، ستكون نتائجه إيجابية أكثر، من أن يحشر رأسه في معلف الائتلاف والذي يطالب برأس النظام اليوم، ورأس الكرد بعد حين.

 

 

التعليقات مغلقة.