الفكر.. حياديته وموضوعيته

27

عبدالباري أحمه

الفكر

قدرته على مشاهدة الواقع الاجتماعيّ وفق زوايا متعددة, بحسب نظرته وقراءته للتّاريخ ويمكن أن يغير الواقع, وبهذا الشكل يمكن أن يجعل الفكر من التاريخ ضرورة حتميّة.

وبقدر ما يمثل هذا الفكر الحالة والأزمة الاجتماعية والتاريخية بقدر ما يرتقي بتلك الحالة – الأزمة نحو الاجتماع على كلمة واحدة وذلك من خلال سلوكها وممارساتها.

الفكر – التفكير يعني تأمل الذات. جون لوك 1732-1704، كان يستدلّ به على مصدر من مصادر المعرفة هيكل 1770-1804، كان يعني به (الحركة الخاصة للمفاهيم) حيث يتولد مفهوم عن آخر ( كالعلاقة بين الجوهر والظاهر).

والفكر هو تحول وتحويل قدرة الإنسان من نتائج تفكره الذاتيّة إلى موضوع التأمل والتفكير . والحركة الكرديّة السياسيّة في سوريا نموذج كيف نقرأ فكرها – تفكّرها من خلال برامجها السياسيّة وغير السياسيّة.

أولاً يجب أن نعرف من يمثل أية طبقة وأية شريحة؟

إذا حاولنا أن نعرف ذلك ما علينا إلا أن نقرأ فكرها – سلوكها وبرامجها ومدى قدرة هذه البرامج على ترجمة هذا الحراك إلى برامج عمليّة وأن يسير بهذا الحراك والمجتمع نحو الأفضل, وما على هذا الحراك إلا أن يخفي طابع شريحته وطبيعته المباشرة , وأن يمثل في فكر أن التاريخ ضرورة حتمية. وما نراه أنّ أغلب هذه الأحزاب تحمل أسماءً ومسمياتٍ – متشابهة و متقاربة … مثل الديمقراطي – الاتحاد – اليسار – التقدم –الوحدة ..الخ . هذه المسميات والعناوين إنّما هي على مبدأ (نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً)

نعم هناك برامج وقيادات وقواعد، لكن أين الطحين؟ أننا نرى مزيداً من الانشقاقات – التشرذمات – الخلافات – الاختلافات لأنّ الحالة التنظيميّة والسياسيّة لهذه الأحزاب والطبقة أو الشريحة التي تمثلها، إنما هي أدوات وآليات محددة ومعينة، وإذا شاءت الظروف الموضوعيّة لهذا الحزب أو ذاك أن يصبح رقماً في المعادلة السياسيّة في أزمة سياسيّة, لا نجد إلا صاحب السلطة ( السكرتارية) أن يصبح غولاً على الحالة الحزبيّة من الباب وحتى المحراب وتعمل هذه القيادة وبكل جهودها على وقف التاريخ والزمن كي ينتج معرفة وثقافة وتتطابق والحالة السياسيّة والاجتماعيّة.

وما الخلاف السياسي التنظيمي بين Tev-Dem) و( ENKS إلّا مشهداً ونموذجا واضحاً لهذه الحالة. ودائماً نجد لدى كل حزب أو مجموعة أحزاب متقاربة ( وصفات طبية ) فكريّة وسياسيّة جاهزة لمعالجة كافة الأمراض السياسيّة المستعصية في الحزب.

وكضرورة سياسيّة وتاريخيّة لابد أن تختفي وتعتزل هذه القيادة العمل السياسيّ وتصبح لا تاريخية وتنسى مهمتها وتلقـي بفكرها ومعرفتها في زنزانة منفردة وتعلّق المشانق لبرامجها السياسيّة.

لكننا نجد العكس فهذه القيادة ومن خلال فكرها (المعطوب) ترسم سياسة نقيضة للتاريخ والواقع وكأنّ الكرد لا يعيشون الأزمة .

أما في الضفة الأخرى من الحراك السياسي الكردي وتحديدا الـ PYD وبعيداً عن المجاملة والمبالغة .. نجد هذا الحزب يحافظ بشكل واضح على الفكر الذي أنتجه أوجلان في ( مانفيستو الحضارة الديمقراطية). ويتجلى معاني هذا الفكر في سلوك أعضائه وممارسيه , سواء على مستوى مجالس الإدارة الذاتيّة أو في جبهات القتال والتي يمثلها مقاتلي (YPG,YPJ). ففي مجالس الإدارة المحلية الذاتيّة نجد العمل في الليل والنهار, رغم وجود بعض مَواطن الخلل, من بعض أعضاء تلك المجالس, والأسباب ليست غريبة, بل هي أنّ بعض هؤلاء غير المؤهلين بشكل علميّ أو فكريّ أو ثقافيّ للعمل في هذا الموقع أو ذاك .

وبالتأكيد هذا الخلل يولد شيئاً من البيروقراطيّة، وبالتالي يخلق فجوة بين المواطن والمجلس. لأن العمل الإداري وعلى مستوى الإدارة الذاتيّة, لابد من أخطاء ( غير مقصودة ) لأن العامل فيها – كما قلنا- غير مؤهل وبالمقابل نجد طبقة أو شريحة ( الأنتلجنسيا) بعيدة عن هذه الإدارة الذاتيّة، ولها أسبابها.

ولأن الإدارة الذاتيّة هي أعلى أشكال الحياة رقياً للمجتمعات .. شكلاً ومضموناً وهي أعلى من الشيوعيّة. ولأن في الإدارة الذاتية, تنحلّ الدولة وهو نسق غير سياسيّ من المنظمات والمؤسسات, ويلاحظ فيها غياب الدولة والإدارة الحكومية وأجهزتها وفي هذه الإدارة كافة الطبقات والشرائح تعمل فيها حتى في القيادة.

وبحسب الماركسية فإن الإدارة الذاتية قد تظهر فيها تصرفات وخلل- فردي –عرضي ولن يكون هناك جهازاً خاصاً للإكراه .

يقول لينين: ” الشعب نفسه يقوم بذلك وبنفس البساطة”

ومن هذه الإدارة الذاتيّة يتخرج انساناً جديداً يتم تنشئته، وكذلك تبنى منظمات ديمقراطية مناسبة والماركسية تؤكد بأنّ هؤلاء البسطاء في العمل لن يبقوا طويلاً, وبقدر ما يتوفر عنصري الأمان والاستقرار بقدر ما يساهم في هذه الإدارة الذاتيّة الرجل المناسب في المكان المناسب. والإدارة الذاتية في مانفيستو الحضارة الديمقراطية ( أوجلان) هي المرحلة الأولى لبناء الإنسان من ( الأمة الديمقراطية) لأن بعد هذه الإدارة الذاتية مرحلتان :

الأولى : سوسيوجيا الحرية. والثانية : العالم الحر.

ولكل مرحلة, القواعد والنظم أرقى من المرحلة التي تسبقها .. بحسب (أوجلان) منها الأخلاق السياسيّة والديمقراطيّة – وحدة الأخلاق والحق في أصل واحد – إلغاء سلوك الإكراه والتقيد. هذا من جانب مؤسسات الإدارة الذاتيّة المدنيّة ومدى تطبيق الفكر بين الحياديّة والسلوك والممارسة. أما الجانب الآخر من الإدارة الذاتية ( الجانب العسكري) نجد أنّ الفكر يتمثل فيه بأجمل أشكاله وخاصة في جبهات القتال والتي يخوضها مقاتلو الـ (YPG,YPJ) هؤلاء المقاتلون يجسدون ويترجمون الفكر؛ سلوكاً وممارسة، وما الأمان الذي نعيشه في محافظتنا ( الحسكة) إلا ترجمة حقيقيّة لهذا الفكر وتحويله إلى قيم.

ثانية , نعود للضفة الأولى من المعادلة السياسيّة في الحراك الكرديّ السياسيّ في سوريا هذا الحراك ومن خلال أحزابه رسم سياسة ما من خلال فكرٍ ما، وبموجب هذا الفكر تعمل هذه الأحزاب كي تعيد التّاريخ إلى مساره الصحيح، لكن نجد بأن آليات عمل هذه الأحزاب بطيئة، والنتائج غير واضحة، وأستطيع أن أقول إنّ بعض هذه الأحزاب أصبح رقماً صعباً، لا يمكن قراءته بسهولة. لأن النتائج مبهمة وغير واضحة، والأسباب لربُّما عرفها القاصي والداني مثلاً الذاتيّة والفرادنيّة؛ قد أصبحتا سلوكاً وثقافة لدى أغلب أفراد هذا الحزب أو ذاك وخاصة القيادات الذين يمارسون أغلب طقوسهم السياسيّة خلف الأبواب المغلقة.

إذاً الفكر كذات وكموضوع، لابدّ أن يمثل طبقة – شريحة. أو مجموعة طبقات أو شرائح.

يقول ماركس 1818-1883 في تحديد هوية الصراع الطبقي بأنّها ” القوة المُحركة للتّاريخ في شتى حقوله”، وبالتالي فالفكر يمثل أساساً ماديّاً ومعنويّا لهذا الصراع ومحركها التاريخي.

والسؤال مرة أخرى، هل يمكن لصاحب الفكر سواء أكان فرداً – حزباً أن يبقى متفرجاً – محايداً من حركة التاريخ؟ الجواب، لا وإن كان يروق للبعض أن يقول : نعم!.

فبمقدورنا أن ننعت هؤلاء بالبؤساء، وسلوكهم بالطيش السياسيّ لأنّه وبالنهاية لا يعرف هؤلاء البؤساء، موقعهم وموقفهم من صيرورة الحياة والتاريخ!. وإذا أصيبصاحب هذا الفكر فرد – حزب بعمى الألوان والأشكال في قراءة واقعه التاريخي والسياسي، ما عليه إلا أن يحدد موقفه ويأخذ مكانه الطبيعيّ والصحيح ضمن شرعيّة طبقته ويصبح جزءاً من الحراك السياسيّ الكردي، لأنّه سوف يمارس وقتذاك فكره بموضوعيّة ويترجم سلوكه بشكل حر ولو نسبيّاً.

ومن خلال فكره أيضاً سوف يمارس النقد ويرتقي بنفسه ورفاقه إلى حالة أفضل، وسوف يبتعد قدر الإمكان عن ( الدوغمائيّة) وإلا سيبقى شخصية انتهازيّة- إصلاحيّة ويصبح فكره – ثقافته في سلّة التاريخ المنسيّة. ويتحول مفهوم الاستراتيجيّة والتكيتك عنده – عندهم إلى أمراض سرطانيّة تهدد العمليّة السياسيّة وحتى الثوريّة.

ويجب أن يعرف هذا – هم بأنّ الفكر لا يقف محايداً أمام الوطن بل يبقى موضوعيّا – مناضلاً وثوريّاً، وليس لصاحب الفكر فردُ – حزب أن يقف متفرجا وبليداً، ومشاهداً غير وجداني أمام هذا المشهد السياسيّ – الوطنيّ والكرديّ في سوريا.

أليس عيباً أن نقول لبعضنا إنّ الحراك الكرديّ السياسيّ، بات مشلولاً لا يصلح لقيادة المرحلة.

أوليس عيباً تاريخيّاً وسياسيّاً و أخلاقيّاً أن ينتظر فرد – حزب حالة مُهيئة جاهزة كي يحقق أحلامه الورديّة. إنما الواجب الحقيقيّ أن يصبح كل فرد – حزب يملك فكراً سياسيّاً آيديولوجيّاً أو فلسفيّاً أن يساهم بارتقاء الحالة الفكريّة، سواءً في الحزب أو بين الجماهير. لأنّ الحزب, أيّ حزب هو من يضمُّ بين صفوفه خيرة أفراد المجتمع، النشيطين والمثقفين ومن كافّة الشرائح والطبقات.

بشرط أن يعبر هذا الـ فرد- الحزب عن مصالح أهداف المجتمع بالنضال المستمر.

نشر هذا المقال في العدد 25 من صحيفة buyerpress

2015/8/15

التعليقات مغلقة.