آلة الكمان التي قُتِلتْ عندما انتهت الحرب

157

 

شفان احمد

مابين النوم واليقظة عالمٌ من الخمول نكون فيه نائمين, لكنـّا نحس بكل شيء حولنا….في ذلك العالم راودتني رؤية: عدنا إلى تلك القرية، ماعرفت أحداً، كل أبطال المسلسل تغيروا، حتى من كان يسكن بيتي،… ربما تأخرنا بالعودة..!

اجتزت عتبة البيت بصمت ووجع، كان كما هو, وكما لو أنني تركته البارحة، عدتُ وقد وضعتْ الحرب أوزارها ، ماتَ من مات….وبقي من هرب, أو من أبقاه الله، صرتُ أفتّشُ بين الذكريات عن روحٍ تسكن جسدي، وقلبٍ ينبض داخل روحي،… سمعت صوتاً …يصرخُ بوجعٍ ويستغيثُ بي، إذ بآلة الكمان خاصتي، مريضةٌ أنهكها الفراق والوحدة، وقعت عيني في عينها فابتسمتْ، حملتُها…عانقتُها وأخذتُها معي إلى حيث أكون هي ستكون، وعلى ذاك الرصيف المهجور تمهّلتُ لأستعيد أنفاسي وذكرياتي ، وضعتُ صديقتي, توأم روحي (آلة الكمان) جانبي لنفكر معاً ونستعيدَ ما كان يجمعنا, ونتحسر على أيام عشناها في الفراق، بعد برهةٍ من الخيال سمعتُ صرخةَ فراقٍ أخرى بعد كلّ ماعشناه …فتحت عيني على عجلٍ، رأيت أشلائها مبعثرة والغبار فوقها ومن حولي ….لم أعد أدري….ربما قذيفةٌ من تلك الحرب! ….ولكن الحرب انتهت!……لم أستوعب شيئاً سوى أن القدر سيقتلنا حتى وإن انتهى حربنا…..فحرب القدر لا ينتهي…..حملتُ أشلائَها وصرت أقبّل جبينها، وضعتها أرضاً لأمارس طقوس البكاء والوداع، بنيتُ لها عشاً فوق تلك التلة المتراكمة عبر الزمن، بنيته تحت التراب….حفرتُ بيدي حفرةَ الألمِ لأعيدها إلى حياةٍ أجمل من حياتي ….لأدفنها …فتلك هي روحي الضائعة، سأدفنها مع أحلامي… عدت بعد حدّة ذاك الانتظار متأملاً ابتسامةً من القلب ولكني ارتشفت خيبةً مرّة في عودتي عدت والدمع يلطم روحي قبل أن ينزل على خدي ليعاتبني: لماذا قتلت كل ذاك التفاؤل بأملنا في العودة؟ فحسرة العودة في قلوبنا وذاك الانتظار كان يرسم بسمةً وهميةً مستقبلية على شفاهنا عندما كنا نحلم بهذا اليوم!……….. سابقاً قتلوا أحلامنا…..والآن نحن قتلنا بقايا الحلم بأيدينا.

 

نشر ت في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

التعليقات مغلقة.