وحشة

36

11421709_1087873884560790_1491383292_nأدب ونحت

زاوية يكتبها: الكاتب طـه خليـل

تبدو المرأة المنحوتة في عامودا مُنتصبة القامة، شامخة الرأس وترتدي ما يشبه ثياباً كردية، تغطي رأسها وتلفُّ حوله الكوفية الكردية. ترفع بيدها مشعلاً وباليد الأخرى بعض الأشياء ( تشبه أوراقاً وكتباً ) وكذلك غصن زيتون، كل هذا جميل ورائع والمرأة الكرديّة عامة وفي روجآفايي كردستان بشكل خاص تستحق أن يكون لها تماثيل في كل زاوية وشارع وليس فقط في ساحات المدن والبلدات، لما بذلته من تضحيات ومقاومة وإرادة حديديّة وهي تدافع عن الأرض والعرض ضد أعتى قوى الظلام همجية وشراسة. ولكن ما يلفت النظر في التمثال أنه قد صمم بطريقة مشوهة تماما، حيث تبدو المقاسات اعتباطية والتشريح أقرب إلى رسوم الهواة والمبتدئين، فالمسافة بين ركبة التمثال ورجله تساوي ضعف مسافة ما بين الركية وأعلى الفخذ، أما رأس التمثال ففيه من التشويه والتضخيم بحيث لا يتناسب قط مع جسد التمثال الرفيع والممشوق، وإن تحدثنا عن تكوير الأكتاف وعلاقتها بالكتلة المنحوته للجسم؛ فسيبدو الأمر كاريكاتوريا ومُستهجنا، وهذا وقبل أن يكون تشويها بصريا هو عدم احترام للمرأة الكردية، وعتبي هنا في الحقيقة لا أوجهه لمسؤولي البلدة أو من قرر أن يقيم التمثال، فهم على الأرجح غير خبراء بشؤون الفن والنحت والتّشريح، بل أنّ سؤالي هو من هو هذا ” الفنان النحات” الذي أمتلك كل هذه الجرأة ليقدم على مثل هذه الفعلة، وكيف لم يخطر بباله مثلا أن هناك الآلاف من الفنانين والنحاتين الكرد وغير الكرد سيمرون يوما من هناك ويرون ” فعلته” التي تخدش العيون، ولا يخجل من العيون السود التي وقف العالم كله احتراما وتقديرا لها ، حتى صارت رمزا لنساء العالم.

وفي قامشلي كان هناك مهرجان للقصّة الكرديّة، وعلى مدى أسبوع كامل، حضرت منها أربعة ايام، وما سمعته خلال تلك الايام كان في الحقيقة خليطا بين الشعر الممجوج الفج والمسرح ” الهادف” و الحكواتي المُتشاطر والمُتفاصح، ظنَّاً من الكثيرين أنهم يؤسسون لحداثة قصصيّة ومنهج جديد في فنّ القصة، فبين الغارق في سرد ثرثار وتعويم فج في استخدام الألفاظ  ” الواقعية” كان خيط الابداع يضيع بين ومضات وبروق الكاميرات وقراءة شعر” البطولات” من قبل ” عريف المهرجان ” وقد كان للمهرجان عرفاء يلقون مقاطع الشعر أو يحدثوننا عن سيرة ” مرحوم ” من ” الأدباء الكرد” وبحماسة لا تقل عن حماسة عرفاء التقديم على خشبات عيد النوروز.!( وكي لا أكون جاحدا فلم يخل الأسبوع من بعض الومضات) وفي اليوم الأخير تم توزيع الجوائز، فاكتظ المسرح بالأشخاص الذين استلموا دروع التكريم، حتى ظننت قد تمّ تكريم كل الحضور.. و وحدهم الآساييش لم يستلموا جوائزهم.. وكانوا يستحقون في هذه الوحشة القاتلة.!

 

نشر  في صحيفة Bûyerpress في العدد 21 بتاريخ 2015/6/15

التعليقات مغلقة.