فرح منقوص
ذرات من المطر تنقر نافذت ، لطالما انتظرتها في ساعات قيظي الحارقة بشوق غير مبالغ فيه.
تلتقط ذبذبات روح تواقة إلى كل ما يمتزج بعبق أرض ابتلت بأولى حبات المطر بعد طول جفاف وبملء رئتيّ أستنشق عبقها.
أختلس النظرَ عبر نافذتي، زجاج يفصل بيني وبين الريح المشتبكة مع أغصان الشجر في الخارج، تتحدى البيوت المنكفئة على سكانها، تأتيني/ تنقر نافذتي /أوصد النافذة جيدا / أسدل ستائري. أخشى غزوها لرئتي فتصيبني بشهقة باردة، فتنعش رئة ما عادت تحسن استقبال هذا الكم من الرطوبة والهواء المنعش.
متجاهلة كل النصائح الطبية ، ومن خلف الستارة أشق بتسلل خفيف شراع النافذة لأسمح لبعض البرد التسلل إلي، أستنشق بحذر معلوم رائحة الشجر المبلل بقطرات المطر وقد أخضوضر لونه وصار أكثر ريعانا وزهوا كأنه الآخر قرر الاغتسال من عفن الصيف والاحتفال بميلاده من جديد.
أعمدة الكهرباء بإنارتها الخافتة تنحني الآن بخشوع وهي تلامس نوراً أكثر رقة و قطرات أشد عذوبة وكأنها خجلى من ضباب قطرات لا مست عينها فجأة بنور شفيف.
أرغب في مغادرة مكمني وأنا المختبئة من فيض الطبيعة الزاخر ..أتمنى على نفسي بعضاً مما أرى ..متلهفة أن يبلل المطر هامتي ويغسل
جرو حاتي وانبثق كما الشجر أكثر اخضرارا.
عامي هذا مختلف… أنا والعيد والمطر على موعد وشتائي أيضاً أصر على مشاركتي احتفالا لم يستوعبه عقلي الذي يرهب الفرح المنقوص..
تتسع رؤيتي إلى سطح الجيران، أرقب حمامات بيضاء وأخرى سمراء وحمامات مرقطة باللونين الأسود والأبيض لا اختلاف بينها ..
جميعها ترتعش تحت قطرات المطر المتساقط على ريشها الناعم
تنفض عنها غبار الصيف لتتنشي بحلتها الجديدة ….
تهيأت الطبيعة لهذا الاحتفال الموسمي وأنا العاشقة المتيمة به بت رهينة المطر أراه على أبوابي / يشاكسني بالنقر على نافذتي /ألاحقه / أرهب الزكام و المرض العضال ولا تتجاوز يدي زجاج النافذة تمسح ضباباً يحجب عني الرؤية.
استسلمت أخيراً لضبابية الطبيعة ومسحت عينا عكرتها دمعة يتيمةٌ لم تستأذني بالسقوط..
وبأصابع مرتعشة كفكفتها لأتمازج مع هطول المطر وأشارك الطبيعة احتفالاتها وأنا مازلت قابعة بمكاني ألاحق فيضه بفرح مشلول …
يسرا الخطيب
نشر في صحيفة Bûyerpress في العدد 18 بتاريخ 1/5/2015
التعليقات مغلقة.