الدبلوماسية الكردية في روج آفا! نواف خليل
“كان حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) قد رفع شعار “الديمقراطية لسوريا وإدارة ذاتية ديمقراطية لغرب كردستان” في مؤتمره الذي انعقد في جبال كردستان سنة 2010 ، قد ظهر واضحا بأن القراءة الاستراتيجية واستشراف آفاق المستقبل التي قدمها الحزب كان لهما الدور الكبير في الوصول إلى النتائج المرجوة، وهو ما نراه اليوم واقعا حيث تم الإعلان عن الإدارة الذاتية”.
لن أفشي سرا إذا قلت أن الكرد في روجآفا كانوا في عزلة مفروضة عليهم من النظام، ولم يكن في قاموسهم شيء اسمه “دبلوماسية”، أو حراك يمكن وصفه ب”الدبلوماسي”. وبعد الثورة ونهوض الإدارة الذاتية، بدأت العلاقات تتشعب وبدأت ملامح الدبلوماسية الكردية تظهر وتتشكل. حتى في المرحلة الأولى من ثورة روجآفا، يمكن القول، إنه عدا اللقاءات التي كانت تتم مع شخصيات متعاطفة مع الشعب الكردي وقضيته في أوروبا من برلمانيين وسياسيين، لم يكن هناك أي حراك دبلوماسي نوعي. كان على الكرد وممثليهم من مختلف الأحزاب التحرك والاستعداد لمرحلة ما بعد تونس “العزيزي” التي هزت الاستقرار القاتل الجاثم على صدور شعوب المنطقة برمتها، ولهذا كانت الحاجة إلى استخدام كل ما نملكه لفهم واستيعاب التطورات الدراماتيكية بعد حريق البوعزيزي، أولا من خلال المزيد من فهم طبيعة النظام الديكتاتوري في سوريا، لوضع الآلية الصحيحة لحراك دبلوماسي حقيقي، فالبعض لم يكن يرى ضرورة القيام بأي شيء من ذلك، لأنه اعتقد بأن النظام سيسقط خلال أيام، أو ربما خلال أشهر، وهكذا دواليك.. وهذا البعض كان بانتظار لحظة سقوط النظام، متصورين بأن المعارضة ستسلمهم مقاليد الأمور في روجآفا وستنصبهم حكاما عليها، مع ضمان صيغة الفيدرالية التي يطالبون بها امتلاك أي أوراق أو أسباب القوة، لفرضها على الجميع فرضا. أما حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي كانت له رؤية مختلفة فيما يتعلق بتطورات الوضع، وخاصة بعد الأشهر الستة الأولى، فقد قرأ المشهد قراءة عقلانية جيو ـ استراتيجية وميدانية في نفس الوقت. ولاحظ بأن أطرافا إقليمية، في مقدمها تركيا وقطر، تقدم الدعم اللامحدود للجماعات الإسلامية ذات العلاقة مع الإرهاب الدولي، والتوجه المجنون نحو العسكرة، فيما كان واضحا بأن النظام يسعى، معتمدا على خبرته وذخيرته الأمنية والعسكرية، لتسهيل بروز نزعة العسكرة، كي يمتلك الذرائع التي تمنحه لاستخدام المزيد من القوة وتفعيل السلاح. وقد أدى ذلك التصارع الدموي بين المجموعات الجهادية الإرهابية والنظام الشمولي إلى سقوط أكثر من 200 الف شهيد، وظهور ملايين المهجرين والنازحين وتدمير البنية التحتية في الوطن السوري. لقد سعت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي للتحرك الواسع، وفي كل الاتجاهات، في مختلف الدول الأوروبية، حيث توجهت إلى الجامعات، وإلى مراكز الدراسات الاستراتيجية، وإلى مخاطبة الرأي العام الدولي، من خلال كبريات وسائل الإعلام في الدول الغربية وأمريكا. فيما كان الحزب في الداخل بدا يأخذ مساره المختلف تحت شعار “لن نكون جنودا لأحد، بل نحن فقط جنود لشعبنا”، في إشارة إلى العمل في قيادة مشتركة، وليس تحت أي قيادة للمعارضة المرتبطة بالخارج والتي تنكر الحق الكردي، مثلها مثل النظام. لقد بدأ العمل بشكل متناغم بين الداخل والخارج على الصعيد التنظيمي عبر وضع الخطط الاستراتيجية، وفق قراءة عميقة للمتغيرات المتسارعة في سوريا، سواء لجهة النظام الديكتاتوري أو المعارضة الخارجية، التي كانت تعد الأيام للوصول إلى السلطة مستخدمة كافة الوسائل والطرف. كان الحزب قد رفع شعار “الديمقراطية لسوريا وإدارة ذاتية ديمقراطية لغرب كردستان” في مؤتمره الذي انعقد في جبال كردستان سنة 2010 ، قد ظهر واضحا بأن القراءة الاستراتيجية واستشراف آفاق المستقبل التي قدمها الحزب كان لهما الدور الكبير في الوصول إلى النتائج المرجوة، وهو ما نراه اليوم واقعا حيث تم الإعلان عن الإدارة الذاتية بمشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي والكثير من القوى الكردية والعربية والسريانية، وفتحت الأبواب أمام قيادة الحزب من حيث الإعلان عن اللقاءات مع الرئيس المشترك للحزب صالح مسلم مع دانييل روبنشتاين في العاصمة الفرنسية أثناء وصوله إلى دهوك، ومن ثم الخطوة التاريخية في فتح أبواب قصر الاليزيه أمام الرئيسة المشتركة للحزب آسيا عبد الله ونسرين عبد الله القائدة في وحدات حماية المرأة، وهو ما اعتبر تحولا كبيرا في الدبلوماسية الكردية. فهو اللقاء الأعلى مستوى والأكبر لحزب كردي سوري منذ الإعلان عن تشكيل أول حزب كردي سنة 1957، واللقاء رافقه اهتمام غير مسبوق من وسائل الإعلام الفرنسية، فيما قال مراقبون للشأن الفرنسي أن الترحيب بالزيارة، والإعلان عن تقديم الدعم للمقاومين الكرد، يحظى بإجماع أطراف اليمين واليسار، ويمين الوسط ويسار الوسط. اللقاء في باريس لم يكن وليد يوم أو شهر، بل نتاج عمل هادئ وصبور، ووفق تلك القراءات. فرنسا التي وصٌفت، ولا تزال، بأنها الأكثر تشددا في مواجهة النظام الديكتاتوري، والأكثر دعما للمعارضة، هي من أقدمت على فتح أبوابها للدبلوماسية الكردية، رغم كل مساعي تركيا وجماعات المعارضة المرتبطة بها لمنع حدوث اللقاء، تلك الجماعات التي اتخذت من باريس مقرا ومستقرا لها. إن النجاحات المتحققة على الصعيد الدبلوماسي، وآخرها اللقاءات التي أجرتها سينم محمد ممثلة الإدارة الذاتية في أوروبا في الولايات المتحدة الأميركية، سواء مع ممثلي المجتمع المدني، أو مع المسؤولين الرسميين، ما هي إلا دليل على صوابية القراءة الإستراتيجية للحزب، وكذلك تقدير المجامع الدولي للحزب وما يشكله من قوة على الأرض. اعتقد انه يجب النظر في كل ما تحقق، وسيتحقق، باعتباره مكسبا للشعب الكردي عموما، والكردي في غرب كردستان وسوريا خصوصا، بل مكسبا لجميع السوريين الذين ينشدون الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية اللامركزية. إن التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي يقدم الدعم بطريقة عملية وعلنية يعتبر مكسبا كبيرا في الحرب صد الإرهاب، وفي الوقوف إلى جانب الشعب الكردي الذي يتعرض لإرهاب “داعش”. لقد نجحت وحدات حماية الشعب ببطولاتها الأسطورية في كسب العالم إلى جانب قضيتها في موازاة دبلوماسية لم تتوقف يوما عن طرق كل الأبواب لإيصال صورة وصوت الشعب الكردي إلى العالم، وكانت بوابة الاليزيه بداية الانفتاح على العالم…
نشر هذا المقال في صحيفة Buyerpress في العدد 15بتاريخ 15/3/2015
التعليقات مغلقة.