هل الولاء للوطن ولاءٌ للخبّازين والنّساجين؟ المحامي: فاضل موسى

30

قبل نحوفاضل موسى (250) سنة حين سَأَلَ والي أردلان، التي كانت إحدى ولايات إمارة بابان، عبد الرحمن باشا بابان لماذا لا تتبعه حاشيته إلى المنفى، ولا تُظهِرُ أيَّ ولاءٍ شخصي، رغم معاملتها بكرم، مثلما أظهر أتباع بابان على الدوام؟ كان جواب عبد الرحمن باشا بليغاً جداً، حين ردّ شيخ القبيلة العجوز بقوله: ” لأنك لستَ سيد القبيلة ولا رجالك رجال قبيلة،  فأنت قد تكسيهم، وتطعمهم، وتجعلهم أغنياءً، ولكنهم ليسوا أبناء عمومتك، إنهم ليسوا سوى خدم لديك”. إنّ مقولة ذلك الشيخ؛ وإن كانت بسيطة بمفرداتها إلا أنها قدمت الجواب الشافي للسؤال عن ماهية الولاء والانتماء للوطن. لأن الوطن لا يعني فقط أرضاً، وغذاءً، وكساءً, بل يعني أكثر من ذلك الولاء المخلص له في مختلف البقاع، والأزمان، والانتماء لثقافته، وطموح شعوبه في الارتقاء إلى مصافِ الأمم المتقدمة، وتسطير إنجازات أبناءه على صفحات التاريخ. إنّ الأنظمة المتعاقبة على حكم شعوب الشرق بشكلٍ عام اختلفت في مستويات تأمين الحماية والأمن القسري, والكساء، والغذاء المجبول في أكثر الأحيان بالذل، ولكنها اتفقت في وسائل إعدام روح الولاء، والانتماء للوطن. حتى صار مفهوم الحنين للاستعمار يحوز الاعتراف والتداول بين مختلف الطبقات المحكومة. إنّ الاوطان لا تعني للشعوب خريطة سياسية وجغرافية واسماً بين أسماء الأوطان فقط، وإنما تعني ذلك الإحساس بالحرية في التمرغ بتراب هذا الوطن، والتحليق عالياً في سمائه، وحرية الصراخ في وجه حكامه المستبدين للرحيل أو العدول عن الاستبداد، والاستعداد للتضحية في سبيله بالمال و الروح. وبعيداً عن الشعارات؛ فإن الانتماء، والولاء الحقيقي للوطن، والاستعداد للتضحية في سبيله لا يتحقق إلا ببناء نظام سياسي، واقتصادي، وقانوني، وتعليمي يأخذ على عاتقه بناء جيل حر  كريم لا يرهب سجناً أو خطفاً أو قتلاً بأدوات السلطة السياسية أو العسكرية أو الأمنية أو الاعلامية أو الثقافية بسبب الاختلاف مع هذه السلطة في الرأي أو وسائل بناء الوطن وخدمة شعبه أو اختلافه السياسي مع الحزب الحاكم المنتخَب أو غير المنتخَب. و النظام المنشود يتم بناءه بتشريع قوانين عصرية تحترم و تهتم لكرامة الفرد وحريته في سبيل حرية وكرامة الجماعة. هذه القوانين، والتشريعات التي تنبع من رحم معاناة و طموح الشعب لا من رحم الحزب، لأن الحزب الذي يُشرِع القوانين على مقاس فكره السياسي فقط لن يجد شعباً موالياً للوطن الذي سيصنعه على مقاس تلك القوانين، وسيكون مصيره مصير والي أردلان وغيره من الحكام والياً من دون موالين إلا بمقدار ثمن خبزهم وكساءهم .

التعليقات مغلقة.