بارزاني و”الخيار الثالث”

25

hosheng_broka

 

 

 

 

 

هوشنك بروكا -إيلاف

في خطابه الأخير الذي توجه به إلى جماهير كردستان والرأي العام العراقي، أكد رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أنّ الأكراد لن يكونوا طرفاً في أي حرب طائفية أو مذهبية في المنطقة. بارزاني قالها صراحةً، أنّ هذه الحرب

 

فيما لو وقعت، والتي ستعيد “ثارات” المنطقة 14 عشر قرناً إلى الوراء لن تكون حربهم، فهم لن يكونوا في حروب الطوائف لا مع الشيعة ضد السنة، ولا مع السنة ضد الشيعة.

ذات الكلام قاله بارزاني أثناء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد في ديسمبر 2011 والتي أدت إلى ازدياد حدة التوتر بين الشيعة والسنة بعد اتهام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ب”الضلوع في التخطيط لأعمال إرهابية” وعلى رأسها “تفجير البرلمان العراقي”.

في حال تحولت الخلافات الى صراع طائفي مذهبي في المنطقة، فإن الأكراد لن يكونوا على الأرجح مع أي طرف ضد آخر، كما أكدّ بارزاني أكثر من مرّة. إلا أنهم كأكراد لهم قضية خاصة بهم سيتمسكون بحق “الدفاع” عن كردستانهم ضد الإرهاب وضد كلّ من يستهدف مناطقهم ويهدد أمنهم ومصالحهم، ما يعني أنّ أكراد العراق قد ينحون منحى أخوانهم الأكراد السوريين لجهة موقفهم من الحرب الطائفية المشتعلة في المنطقة منذ حوالي 40 شهراً. الأمر الذي سيساهم بدوره في ردم الهوة وإنهاء الخلافات بين الطرفين، “أكراد بارزاني” من جهة و”أكراد أوجلان” من جهة أخرى.

ما يحصل في العراق الآن، ليس بجديد أو مفاجئ، وإنما كان متوقعاً، خصوصاً بعد سقوط “الثورة السورية” في فخ الإرهاب، وخروجها من مسارها كثورة شعب ضد نظام فاشي مستبد، وتحوّلها من ثمّ إلى حرب طائفية مذهبية بالوكالة، تديرها جهات إقليمية ودولية. من قبل كان المراقبون يحذّرون من تكرار السيناريو العراقي في سوريا، أما الآن فيُخشى أن يتكرّر السيناريو السوري في العراق.

إنتقال الحريق السوري إلى العراق عبر “داعش” بإعتباره أخطر وأغنى تنظيم إرهابي في العالم يعني أنّ المنطقة مقبلة على حرب دينية حقيقية قد تتسع ويطول مداها. في هذه الحرب، هناك ربما حدود ستسقط، وشعوب ستسقط، وكيانات ستسقط، واستراتيجيات ومصالح دول هنا وأخرى هناك ستسقط، وتواريخ وجغرافيات وخرائط ستسقط، ما يعني أنّ الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات جذرية وإعادة ترسيم حدودها من جديد. والتقسيم الجديد وفقاً للخارطة التي نشرتها صحيفة ال”نيويورك تايمز” الأميركية، والتي تظهر تقسيم 5 دول شرق أوسطية إلى 14 دولة سيشكّل بحسب الصحيفة “تغييرًا استراتيجياً في اللعبة للجميع، ومن المحتمل أن يكون التقسيم الجديد هو إعادة تشكيل التحالفات والتحديات الأمنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم”.

الأرجح أنّ الأكراد بإعتبارهم أكبر قومية موزعة على عدة دول بدون كيان سياسي، سيكون لهم الدور الأكبر في “تفجير” خرائط سايكس بيكو وتغيير الشرق الأوسط تاريخاً وجغرافيا. ثمة قناعة شبه ثابتة لدى الأكراد على اختلاف آيديولوجياتهم ومرجعياتهم أن حلمهم في تأسيس كيان قومي خاص بهم بات أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقتٍ مضى، بعد ظلم قرنٍ من الزمن. في ظل ما يجري في المنطقة من تغييرات دراماتيكية يشعر الأكراد أنهم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لنيل حقوقهم القومية وتحقيق حلمهم في إقامة دولة مستقلة.

على الرغم من إنتماء غالبية الأكراد للمذهب السنّي إلا أنهم رجحوا قضيتهم القومية على القضية المذهبية فتحالفوا مع الشيعة في عراق ما بعد صدام مقابل منحهم الفيدرالية وحلّ المشاكل العالقة بين المركز والإقليم، مثل الميزانية والنفط والمناطق المتنازع عليها. انتصار الأكراد في العراق لقوميتهم على حساب طائفتهم مكّنهم من أن يلعبوا دور القوة المرجحة وبيضة القبان في المعادلة السياسية العراقية الجديدة والصراع بين شيعة العراق وسنّته.

الأكراد نجحوا في العراق إلى حدّ كبير في تحقيق الكثير من حلمهم نحو كردستانهم التي تعيش منذ 2003 استقلاليتها ككيان كردي شبه مستقل ضمن الدولة العراقية، فلها رئيسها الخاص وجيشها الخاص (البيشمركه) وحكومتها الخاصة وبرلمانها الخاص واستخباراتها الخاصة، لكنهم فشلوا في تحقيق حلمهم في “قدسهم” كركوك وحلّ الملفات الأخرى العالقة بينهم وبين حلفائهم الشيعة.

الآن بعد سقوط الموصل ومناطق أخرى في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار في قبضة “داعش” تغيّرت قواعد اللعبة في المنطقة وتغيّرت معها المعادلة السياسية في العراق تماماً، الأمر الذي سيسفر عن تركيب معادلات وتحالفات جديدة.

انهيار سيطرة بغداد على شمال العراق أمام هجوم “داعش” أتاح للأكراد السيطرة على أجزاء كبيرة مما تسمى ب “المناطق المتنازع عليها” طبقاً للمادة 140 من الدستور العراقي، خصوصاً المدينة التاريخية التي طالما تغنّى بها الشعراء “قدس الأكراد” كركوك، التي استولوا عليها خلال ساعات دون إطلاق رصاصة واحدة. الأكراد زادوا مساحة الأراضي (من خانقين شمال شرقي ديالى إلى شنكال شمال غربي نينوى مروراً بكركوك ومخمور ومناطق أخرى) التي يسيطرون عليها والتي يسمونها ب”المناطق المستقطعة” من كردستانهم بأكثر من 40% بسرعة قياسية دون الحاجة إلى خوض معركة واحدة.

خلاصة القول: ما قدمه داعش للأكراد في أسبوعين لم يمنحهم اياه المالكي في ثماني سنوات، على حدّ قول مسؤول كردي. المالكي بالنسبة للأكراد “انتهى”، خصوصاًَ بعد إدارة أميركا ظهرها له واتهام رئيسها باراك أوباما له ب”الفشل” في رأب الإنقسام الطائفي في العراق، الذي استغّله “داعش” ومكّنه من قيادة التمرد السني.

“داعش” هو الآن جار لكردستان، بدلاً من الحكومة المركزية. من هنا تبقى الأولوية بالنسبة للأكراد في ظل ظروف تنذر باشتعال حرب شيعية ـ سنية، هي عزل “العراق الكردي” عن التداعيات الخطيرة لما يحدث في العراقَين السنّي والشيعي، واتباع سياسة النأي بالنفس عن هذا الصراع، كما قال بارزاني.

الأكراد سيختارون على الأرجح “الخيار الثالث” لتحقيق حلمهم في الإستقلال فور انهيار العراق.

لكن الأرجح أيضاً، هو أنّ نار “داعش” لن تكون على الأكراد برداً وسلاماً. ناهيك عن أن دول مجاورة لكردستان لها مشاكل كبيرة مع أكرادها، مثل إيران وتركيا لن تقف متفرجةً على ما يجري أمامها من “زحف كردي” نحو أراضيها وصعود لدولة كردية على حدودها.

بوجود “داعش” ك”دولة عابرة للحدود” وكلاعب قوي في المنطقة، يبقى سيناريو “قلب الطاولة” على الجميع قائماً. وأحد أخطر هذه السيناريوهات هو أن يقدم “داعش” ك”مدافع عن السنة” على فتح معركة مع الأكراد، لتكون بداية حرب عربية ـ كردية.

 

التعليقات مغلقة.