خطورة التلاعب بالمفاهيم / م سليمان حسن

98

إن التساهل400            خطورة التلاعب بالمفاهيم في المفاهيم يؤدي إلى اختلاط الرؤية، واضطراب الأولويَّات، وتدمير سلم المقاصد، وإيجاد التشتت في المعتقدات، والمزج بين الحق والباطل بشكل خطر؛ يجعل عملية الفصل بينهما أمرا في غاية الصعوبة. والبيان الإلهي حذرنا من أن ننساق وراء مفاهيم كتابيَّة، كان اليهود مهرة في صياغتها، وإشاعتها؛ لإحداث الإرباك الذي يمكِّنهم آنذاك من أن يكونوا هم المفسرين لتلك المفاهيم، والمراجع في بيانها، فينصبون أنفسهم أساتذة على العالم. ويبدأ العالم كله ينظر من خلال أعينهم وهم لا يريدون أن يرى العالم إلا ما يُرونه، ويريدون منه رؤيته، وذلك يعني أن تكرس مرجعية هؤلاء، فقال لنا ربنا تبارك وتعالى عنهم ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران:78.

ولـَيّ الألسن بالكلمات، والمقولات فن يدرّس اليوم بين دروس السياسة، والإعلام، وفي قضايا الخطاب. ولا ننسى كيف ضاعت علينا مصالح كثيرة جدا لعدم الالتفات للفرق بين المعرَّف باللام، وبين المنكَّر. وحين وقَّع قادة غافلون، أو مغفلون على اتفاقات حول تحرير أراض عربية، وإعادتها إلى أصحابها؛ ردت علينا بعض الأراضي، وقيل لنا: إنكم وافقتم، ووقعتم على اتفاق بردِّ أراضٍ، وما رددناه لكم يصلح أن يطلق عليه: “أراض عربية”، ونحن لم نقل نردّ لكم الأراضي العربية التي احتلت في 5 يونيه 1967. وهناك قصة أخرى خسرنا فيها الكثير حين تساهلنا في وضع فاصلة بين عبارة وأخرى، فكان لتلك الفاصلة ثمن عال غال من دماء، وأموال، وأراضٍ خسرناها نتيجة لذلك.

وحين يحذرنا الله (جلّ شأنه) فيقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (البقرة:104)، وهو فرق لا يلتفت إليه عامة الناس، ولا غالبيتهم، وقد يتساهل فيه كثير من الخاصة لكن الله (جلّت قدرته) نبّه عليه، وحذّر من التساهل فيه، وما أخطر ما نعيش فيه اليوم من أمور لو التزمنا بتوجيهات القرآن لما كنا سقطنا فيها، ولكن استدرجنا لذلك استدراجًا خلط سائر الأوراق بين أيدينا، والفوضى التي تشهدها مجتمعاتنا في جميع أنحاء العالم الإسلامي وفي مقدمته العالم العربي مردّ الكثير من أسبابها إلى ذلك الاختلاط العجيب، وكذلك اختراق جبهاتنا الداخليَّة ومؤسساتنا كان في مقدمة ما روّج له اختلاط المفاهيم واضطراب الناس فيها؛ ولذلك أصبحت الفوضى ضاربة بأطنابها في كل مجال، وصارت “الفوضى الخلَّاقة” التي سمتها وزيرة خارجية أمريكا خلَّاقة وليست هناك فوضى خلَّاقة لأنَّ الفوضى فوضى، والنظام نظام، لكن التلاعب بالمفاهيم جعلهم أساتذة لنا بعد أن كنا أساتذة الدنيا وجعلنا نستورد منهم الأفكار والقيم والمفاهيم دون أن نشعر ودون أن ندرك الآثار الخطيرة لذلك الخلط.

التعليقات مغلقة.