ولادة الماء – أفين إبراهيم

91
أفين إبراهيم
الشاعرة أفين إبراهيم

 

مذ غرق النهر بشالي ..

تحولتَ الى رجل من ماء..
لا النهر ينشف ولا الماء يكتفي بالورود..
هناك على الضفة الأخرى كتفي ..
صراط طويل يبدأ بالشعر وينتهي باللعنة..
أصوات كثيرة تسبح مع التيار ولا تصل..
ربما كنت ستنجو لولا أن الحظ حالفك مرتين ..
مرة عندما شنقت روحك بالزهور لتعيدني إليّ ..
والمرة الأخرى عندما تذكرت أني امرأة الماء والحريق…
هناك على الضفة الأخرى غرقي ..
عتبات القش العالية ..
قلبك الصغير يطوف على الصفحات ..
يرسم زورقاً من ورق ينتشل كل المهاجرين ..
ينقلهم للضفة الأخرى, يبتسم لفضة الشال ثم يعود..
لا أدري متى نمت كل هذه الشعاب المرجانية في فمي ..
كيف دخلت آية الكرسي الى صدرك

وتركتني وحيدة على هذا المقعد أسند الشجرة…
لكني علمت مؤخراَ ..
كلما أمسكت يدك ..
ارتفع الغيم ..
كلما لمست وجهك ..
طارت الغابة..
وكلما وضعت أصغر أصابعي على زاوية فمك ..
ابتسم الله..
توقفت الحرب للحظات…
هناك على الضفة الأخرى كتفي ..
يغتسل مع الأطفال والنساء والشيوخ وحصيرات البيوت الطينة التي ماتت منذ زمن بعيد..
لا تسالني عن الثوب الذي يلتصق بجسدي ..
ولا عن حلمة صدرٍ تبحث عن شاماتك القليلة تحت الماء…
لا تسألني عن أول مرة عرّاني بها الحب وغطـّتني الكلمات …
عن مذاق القبلة الأولى والخنجر الأخير..
ولا عن بقع القلق الأزرق حول عنقي

ودوائر البنفسج على سطح فخذي الأيمن..
فالليل أعمى حبيبي ..
وحافة السرير ضيقة لا تتسع لروحين معا تحت قلب واحد…
كما أن النساء صغيري يكرهن الأسئلة التقليدية…
يهربن للمرايا كلما اشتد العشق وصغرت الطعنات..
لا تسألني عن حقول القمح

التي اندلقت من عروة قميصك الصيف الماضي ..
ولا عن براعة خطوات كفك التي حاصرت أصابعي ..
عن النساء اللواتي قبلتهن بعدي وتسمّمت ..
ولا عن حبوب منع الحمل والضوء الذي أنجبت منه فراشاتك ..
عن الرجال الذين كتبوا لي قصائد طويلة كالدمع ولم أبكي..
عن الأحصنة البرية التي خطفت تفاصيل وجهك وتركتني لملامح الصهيل …
لا تسألني عن تنهيدة الغيم عندما عادت رياح أمطارك لتغطيني …
عن عناقيد العنب التي تدلت من ياقة قميصك وخنقتني …
عن الشمس التي تشرق كل يوم بخجل وتدير ظهرها مسرعة قبل أن ينشف قلبك الذي علقتهُ على شجرة الليمون في حديقتي ..
عن الظلام الذي حل على القصيدة قبل أن تثور ضفائري.. .
عن القمر وكل حزوزه الملونة حين تلتصق بنافذتي..
فيسيل لعاب الحب على خصر أيام تعج بالثواني…
تُعتق الساعات و تلاحقني…
اسألني فقط عن رائحتك ..
رائحتك التي تسبب لي نوبة من الرعب والحب والشهوة والموت ..
عندما تشد بلطف قدمي تحت الماء…
هناك على الضفة الأخرى كتفي …
يدق وتر الخيام لجثة تحملها على ظهرك ..
لجثة ثقيلة اسمها الوطن ..
الوطن الذي لم يصل أبداً..
كل ما أخشاه ..
أن تتوقف الحرب قبل أن نعود..
أن يبقى النهر غارقاً بشالي قبل أن تزهر بجسدك وردة..
وردة واحدة فقط

التعليقات مغلقة.