فاكلاف هافل .. سيرة حياة

30

لا شك أالتقاطن فاكلاف هافل هو أحد أشهر الشخصيات التي عرفتها بلدان أوروبا الوسطى والشرقية ــ الشيوعية سابقا ــ خلال النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين. وهو بالتأكيد الشخصية الأكثر شهرة في تاريخ تشيكوسلافاكيا السابقة ثم الجمهورية التشيكية الحالية في القرن العشرين.
و«سيرة حياة فاكلاف هافل» هي موضوع كتاب «مايكل زانتوفسكي » الذي كان أحد أصدقاء هافل المقرّبين خلال مسيرتهما الطويلة المشتركة في المعارضة ثم أحد المسؤولين إلى جانبه في الحكم.
الصورة التي يرسمها المؤلف لفاكلاف هافل تقدمه أنه الشخصية التي لعبت دورا حاسما في «دفن إحدى الإيديولوجيات الطوباوية الأكثر جذبا في كل الأزمنة»، ويقصد بذلك «الشيوعية». وبالمقابل يصفه أنه «شرع في تنفيذ أحد أكثرالتجارب الاجتماعية الكبرى في العصر الحديث»، ويقصد المؤلف بذلك تحضير الأجواء لفترة ما بعد الشيوعية.
ويحدد المؤلف القول أن فاكلاف هافل حضّر الأجواء بحيث كان عند سقوط جدار برلين عام 1989 بمثابة المرشّح الوحيد الممكن لقيادة ما عُرف بـ «الثورة المخمليّة». وبالإضافة إلى شحصية المعارض السياسي ورجل الدولة فيما بعد يركّز المؤلف على تقديم شخصية فاكلاف هافل «الكاتب وورجل الفكر» الذي حرص باستمرار على أن تواكب «القواعد الأخلاقية التي تبنّاها مع التزاماته السياسية».
وإذا كان مؤلف هذا الكتاب يرى في شخصيّة «رفيق رحلته المشتركة الطويلة» الكثير من «الخصال الإيجابية»، فإنه بالمقابل لا يتردد في الحديث عن العديد من السمات التي تبدو له بمثابة «نقاط ضعف» لدى فاكلاف هافل. بهذا المعنى يريد تقديمه كإنسان أيضا. هكذا يصفه بأنه كان «كتلة من الأعصاب» للتعبير عن «مزاجه المتقلّب» وأنه عرف فترات من «الانهيار العصبي» مما دفعه إلى تناول الكحول والعديد من العقاقير المهدئة.
يقسم المؤلف سيرة حياة صديقه فاكلاف هافل إلى مراحل. وهذا التقسيم يتماشى مع المحاور الأساسية التي عالجتها فصول الكتاب. هكذا يتحدّث أوّلا عن «الطفولة السعيدة» التي عاشها فاكلاف هافل في كنف أسرته البورجوازية الميسورة في مدينة براغ التي شهدت ولادته عام 1936.
من السمات التي يؤكّد عيها مؤلف هذا الكتاب في شخصيّة فاكلاف هافل هو أنه رغم منبته الاجتماعي الثري وانتمائه إلى أسرة من «أصحاب المشاريع التي كانت تملك عشرات المباني في مدينة براغ» كان يسعى باستمرار إلى أن يتم النظر إليه من حيث موقعه الفكري.
وكان فاكلاف هافل من هواة المسرح حيث كتب في هذا الميدان وساهم مع زميلين له في شبابه بكتابة عمل مسرحي تحت عنوان «ليالي سبتمبر» ولعب في تلك المسرحية دور رجل شرطة. ولعلّ من الوجوه الهامّة في هذا الكتاب أن المؤلف يعود إلى تلك الأحداث المعروفة بأغلبيتها للكثيرين عمليا. ولكنه لا يكتفي بعرضها من جديد بل يشرح الآليات التي عمل على أساسها أولئك الذين كانوا بمثابة «المحرّك» في الثورة المخملية التي شهدتها تشيكوسلوفاكيا. ثم يقوم بشرح كيف عملوا بعد ذلك من أجل إقامة حكومة «انطلاقا من الصفر». ولعلّ تلك التجربة هي من أهم الدروس بالنسبة لانتهاج السبيل السلمي في النضال التحرري.

بيان الإمارتيّة

التعليقات مغلقة.