تطور الهايكو العربي والصعوبات التي تواجهه

44

أرى سامر زكريّا تطور الهايكو العربي والصعوبات التي تواجههأن الهايكو العربي يواجه، في هذه المرحلة من نشوئه وتطوره، تحدّي ما يمكن أن ندعوه “الهويّة” . لقد كان الهايكو العربي – حتى وقت قريب جداً- عبارة عن مزيج من قصائد نثر قصيرة يُطلق عليها ظلماً تسمية هايكو، ولهذا أسباب عديدة:
–  ضعف الترجمات العربية للهايكو الياباني (وهو أصل الهايكو العالمي)
–  العقلية الأدبيّة العربيّة التي يسمُها غياب المقاربات النقدية الحقيقية التي لا بدّ منها لتأسيس أطر مقبولة يجمع عليها كتاب الهايكو العرب وقراؤه ومحبيه، وبدلاً من هذا تسود المجاملات .

لقد لاحظتُ منذ عام ٢٠٠٣ لدى قراءتي لكتاب “أجمل حكايات الزنّ يتبعها فنّ الهايكو” للكاتب الفرنسي هنري برونل (وهو من منشورات مجلة “إبداعات عالمية” الكويتية، عام ٢٠٠٥، العدد ٣٥٣، وقد نُشر الأصل الفرنسي عام ٢٠٠٠) أنّ هذا النوع من الإبداع يمكن أن يناسب الثقافة العربية ويتفاعل معها بالتبادل، فتغنيه ويغنيها، وبدأت مُذّاك أجرّب كتابة الهايكو بالعربيّة، وأورد للقراء مثالاً عما كتبته عام ٢٠٠٣:
ثلاثُ وريقاتٍ خريفيّة
على الدّرب
إحداها مُحمَرّة
ثمّ صادفتُ أفضل ما نُشر بالعربيّة عن الهايكو حتى الآن وأكثره جدّيّة، وهو كتاب كينيث ياسودا “واحدة بعد أُخرى تتفتح أزهار البرقوق” المنشور عبرَ العدد ٣١٦ من مجلة إبداعات عالمية الكويتية عام ١٩٩٩ من ترجمة د.محمد الأسعد، مما شجعني على الاهتمام أكثر بالأمر، ولاحظتُ بعض المؤلفات والمقالات والترجمات العربية المحدودة للغاية عن الهايكو خلال العقد الذي تلى تلك الفترة .
أوائل عام ٢٠١٣ فكرتُ بالاستفادة من المزايا الهائلة لموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) وقدرته على تبادل المعلومات بين الأشخاص والبلدان فأسستُ مجموعة “الهايكو – سوريا” وهي الآن على أبواب عامها الثالث وعدد أعضائها أكثر من ٥٢٠٠ عضو من المهتمين بالهايكو من سوريا ومختلف البلدان العربية (وغير العربية أيضاً) وكان قد نشأ قبلها “منتدى الهايكو العربي” الذي يديره الأستاذ محمود الرجبي وبالتزامن معها مجموعة “عشاق الهايكو” التي يديرها الأستاذ حمدي اسماعيل، كما نشأ حديثاً مجموعات وصفحات عديدة أُخرى تهتم بالهايكو.
ويمكنني أن أوجز ملاحظاتي من تجربتي بما يلي :
–  لاقى الهايكو رواجاً لدى عدد كبير من القرّاء والكتاب والنقاد والصحفيين العرب.
–  تطورت كتابة الهايكو تطوراً هامّاً وكبيراً في العامين الأخيرين، وقد ساعد على هذا التفاعل الكبير الذي يتيحه “فيسبوك” كما أشرتُ أعلاه بين القراء والكتاب، حيث يتشاركون في النقد المتبادل وهو ما نحاول دائماً تكريسه والتشجيع عليه، والتجربة الجديّة لعدد من كتاب الهايكو السوريين والعرب ومنهم شعراء متميزون استهوتهم التجربة فنالت منهم اهتماماً كبيراً، ووجود عدد من النقاد والصحفيين والمترجمين في المجموعة يُغنون أجواءها وأجواء الهايكو العربي باستمرار
–  تعاني المجموعة – كما يعاني الهايكو العربي – من نقص المواكبات النقدية للأعمال المنشورة على جدارها (النقد موجود لكنه قليل جداً) ولعلّ السبب كما ذكرتُ في المقدمة يتعلق بطبيعتنا التي تغلب عليها المجاملة وتجنب النقد البنّاء الصريح.
–  أدّى غياب النقد إلى التقصير في التأسيس لتعريفات وأطر مرجعية مناسبة للهايكو العربي واستُبدِل هذا تلقائياً بنوع من التفاعل الذي يمكن أن ينتج عنه ببطء ترسيخ أسس ثابتة نسبياً لهذا الفنّ.
الهايكو العربي كما أراه في المرحلة الحالية من تطوّره مع أمثلة من كتابتي :
– لا بدّ من مشهديّة بصرية، ولولا هذا لما كان يمكن تمييز الهايكو عن الومضة والشذرة والقصة القصيرة جداً :
حلَبْ
بِظاهِرِ يَدي وباطِنِها
أَلمَسُ الجِدارَ المُهَدَّم
بائعٌ جَوّال
الدُّمى الرَّخيصة
في مَهَبِّ الرِّيح
مُسافرٌ وَحيد
مِن عَجَلاتِ القِطار
صَمْتٌ مُقَنَّعٌ بالضَّجِيج
–  ولا بدّ أيضاً من الدهشة، فلا هايكو بلا دهشة، الدهشة جوهر الهايكو، ويمكن أن تأتي من مُفردَة، أو سطر، أو مفارقة، أو من الهايكو كلّه:
حتّى بالقمَر
توشِكُ أن تُطيح
رِيحُ الشَّمال
النَشرَةُ الجَوّيَّة
بِلادٌ مُمطِرَة
وقَلبٌ غائمٌ جُزئيّاً
عَميقاً .. عَميقاً
يَتَوغَّلُ المارَّة
في جُرحِ العاصِمَة
– يمكن – ويجب في آن – أن يستفيد الهايكو من الثراء الواسع والغنى الرّحب للغة العربية وقدرتها الهائلة على التعبير (وهي في طليعة اللغات العالمية من حيث تعدد المترادفات، أي الكلمات ذات المعنى المتقارب مع اختلاف وتنوّع) ولا بدّ من تأثّره بما تمرّ به المنطقة من مخاض عسير :
ريحُ المَساء
تَهُزُّ الحَوْراتِ
إِثْرَ القِتال
….
وَداعٌ أَخيْر
فجأةً تُغمِضُ عَينَيها
أُمُّ الشَّهيْد
…..
أطلالُ الحَيِّ الحِمْصِيّ
مُبتَسِماً
أُلَوِّحُ لِلمَوت
–  يصعب أن نجمل في مقالة محدودة الحجم جميع الجوانب، تدور الآن مناقشاتٌ غنيّة حول استخدام المجاز في الهايكو وحدوده الممكنة على سبيل المثال، منها ما حُسم ومنها ما لا يزال في طور النقاش، وأعتقد أننا قطعنا أشواطاً مهمة وما زال أمامنا الكثير.
(*) سامر زكريّا
شاعر هايكو سوري، مؤسس ومدير مجموعة “الهايكو – سوريا”، طبيب أسنان ومدرّس جامعي مقيم في دمشق

سامر زكريّا

التعليقات مغلقة.