لا يلدغ المؤمن من حجرٍ مرتين

44

إن لا يلدغ المؤمن من حجر مرتينالمثقفين الكرد يتذكرون جيداً بأن القوات السوفيتية في عام 1946 كانت تسيطر على شمال إيران وهي منطقة كردية , وقد شجع الاتحاد السوفيتي آنذاك كرد إيران للقيام بإنشاء كيان دولة كردية مستقلة, وقدم الاتحاد السوفيتي كل المساعدات الممكنة لها, وأعلنت جمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد وبقيت الجمهورية الناشئة لفترة وجيزة ولكن تحت الضغط الأميركي البريطاني اضطر الاتحاد السوفيتي سحب قواته من إيران نتيجة قرارات دولية وقد حمل بعض القوى الكردية آنذاك وحتى الآن الاتحاد السوفيتي مسؤولية فشل جمهورية مهاباد الكردية , مع العلم إن القائد الكردي عبد الرحمن قاسملو فند تلك المزاعم وحمل بعض القيادات الدينية في حكومة مهاباد مسؤولية هذا الفشل , وكذلك الدور المخزي للأمريكان والبريطانيين في القضاء على حكومة مهاباد وإعدام قادته الأبطال.
كذلك في عام 1974-1975بذلت القيادة السوفيتية جهوده كبيرة للتقارب بين الحكومة العراقية وقيادة الانتفاضة الكردية القائد ملا مصطفى البرزاني لتحقيق الحكم الذاتي في العراق ونسبة محددة من النفط العراقي, وكادت أن تحقق هذه المساعي السوفيتية, فدفعت أمريكا شاه إيران للاتصال بالقيادة الكردية وتقديم وعود لهم لإفشال المساعي السوفيتية , وخلال فترة قصيرة وخاصة بعد الإيقاع بين الحكومة العراقية وقيادة الانتفاضة وفشل الجهود السوفيتية تغير الموقف الأمريكي وشاه إيران وعقد الشاه معاهدة مع الحكومة العراقية عرفت باتفاقية الجزائر, حيث تعهد الشاه للنظام العراقي بعدم دعم الانتفاضة الكردية . كل ذلك بالطبع بتوجيه ودعم أمريكي غربي أطلسي.
كما في حرب الخليج الثانية عام 1991حاولت القيادة الكردية في العراق الاستفادة من هذه الحرب لتحقيق الحكم الذاتي ضمن الجمهورية العراقية , وعلى نحو مفاجئ توقفت هذه الحرب.
وفي شهر شباط من نفس العام وفي فترة حكومة جورج الأب أصبح الكرد مجدداً تحت رحمة النظام الدكتاتوري في العراق وبدعم أمريكي غربي تم تهجير مليونين كردي باتجاه الحدود الإيرانية التركية وتوفي آنذاك من الكرد مالا يقل عن عشرين ألف كردي, نتيجة هذا الانسحاب وهذا التآمر الأمريكي الغربي الصدامي.
تبين هذه الوقائع التاريخية وغيرها من الأمثلة من تاريخ الشعب الكردي وتاريخ شعوب المنطقة تؤكد على خيانة أمريكا والدول الغربية الأخرى والأنظمة التركية بحق الشعب الكردي وكل المنطقة, وهذا ما دفع بالقائد الكردي الملا مصطفى البرزاني وهو على فراش الموت أن يقول كتوصية : لا تثقوا بأمريكا ووعودها , وكلنا نعلم أيضاً ما قاله الأخ مسعود البرزاني في مذكراته : لقد اتصلت مراراً بكيسنجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كي اطلب منه أن أعالج والدي في أمريكا ولم يرد على اتصالاتي فأطرينا الذهاب لأمريكا لعلاج والدي على نفقتنا الخاصة.
والآن ومرة أخرى وفي ظل ما يسمى الحرب على الإرهاب يعلن الغرب على اهتمامه بالقضية الكردية وخاصة إقليم كردستان العراق وبنفس الوقت محاربة حزب العمال الكردستاني في تركيا, وتقديم الدعم للنظام التركي ولقوى الإرهاب وخاصة داعش وإخوانها في قتل وتدمير الشعب السوري عامة والكردي خاصة وبشكل خاص في جبل سنجار والموصل وكوباني ونبل الزهراء والكثير من المناطق السورية الاخرى.
وقد تظن بعض القوى الكردية على أن هناك تغيير في الموقع الغربي والتركي من القضية الكردية ومن قضايا الشعوب الأخرى , والجميع بات يعلم أن الدول الغربية لا تزال تبحث كما كانت عن مصالحها و مصالح عملائها في المنطقة وخاصة النفط والغاز . واحتكارات النفط والسلاح هي التي تحكم والرؤساء ليسوا إلا موظفين لدى الاحتكارات ولا يهمها بتاتا الوعود  والتصريحات والاتفاقيات والادعاء كذباً ونفاقاً بالديمقراطية والحرية وغيرها من الشعارات البراقة.
وزيارة كوشنييير وزير الخارجية السابق الأخيرة إلى محافظة الجزيرة السورية ولقائه مع بعض المقاتلين الكرد والقيادات الكردية وتصريحاته الكاذبة على حرصه بنجاح تجربة الإدارة الذاتية في المناطق الكردية السورية واهتمامه بحماية المسحيين والكل يعلم دور النظام الفرنسي في قتل تشريد الشعب السوري, وفي قتل المسيحيين وتدمير دور العبادة للمسلمين والمسيحيين , جاء ليعلن مثل هذه التصريحات المنافقة .
إن القيادات الكردية الوطنية يدركون جيداً هذا النفاق الغربي وخاصة الفرنسي ولا يمكن أن تنطلي عليهم مثل هذا النفاق السياسي والادعاءات الكاذبة.
فالغرب الرأسمالي هو الغرب ذاته الذي خذل الكرد في اتفاقية سيفر وهو الذي رسم خرائط سايكس بيكو وهو الذي قضى على جمهورية مهاباد وقتل خمسة آلاف شهيد في حلبجة بالتعاون مع النظام العراقي وقضى على العشرات من الانتفاضات الكردية في العراق وتركيا.
لم يتغير لديهم سوى زيادة الجشع والتوحش وعسكرة العالم الكذب والنفاق ونهب خيرات العالم و الإيقاع بين القوى الوطنية وضرب الوحدة وإثارة الفتن والطائفية و العنصرية منطلقين من شعارهم القديم الجديد “فرق تسد”
إن مصلحة الشعب الكردي هي مع شعوب المنطقة ومع قواه الوطنية واليسارية مع شعوب الشرق العظيم ضد المشروع الغربي القائم على ضرب الكل بالكل وأنهاك الكل وتحقيق مشروعهم الجهنمي الشرق الأوسط الكبير وتقسيم المنطقة إلى دويلات هزيلة ضعيفة وتبقى أمريكا وقاعدتها إسرائيل المهيمنة المسيطرة وتنهب خيرات المنطقة وعلى الأنظمة الوطنية أن تنفتح أكثر على الأقليات و القوميات الموجودة في المنطقة خاصة الكرد والاثور وهذا ما يعزز الوحدة الوطنية في الأنظمة الوطنية ويضعف المشاريع المخططات الغربية وعملائهم في المنطقة ولا يمكن لشعوب المنطقة الكرد خاصة أن يلدغوا مرة الوعود ونفاق الدول الغربية.

عزيز عمرو

قامشلي

التعليقات مغلقة.