إعصار تقرير التعذيب يطاول أطباء النفس في أميركا

26

يبيّن2cb89e94da1c444cbeccec34e2fc7f5c التقرير الذي نشره الكونغرس الأميركي عن ممارسات التعذيب التي مارستها «وكالة الاستخبارات المركزيّة» الأميركيّة («سي آي إيه» CIA)، وجود بُعد علمي في تلك الممارسات، إذ ليس عبثاً أن تلجأ «سي آي إيه» إلى إجراء كالحرمان من النوم Sleep Deprivation الذي مارسه الجيش الياباني في الحرب الثانية، استناداً إلى ممارسة تاريخيّة لجيوش الإمبراطوية التي لا تغيب عنها الشمس. وعقب الحرب الثانية، كان التعذيب بالحرمان من النوم من المواضيع التي تعمّق علماء النفس في دراستها، ما أوضح آثارها الفظيعة على البنيان النفسي والعصبي والفكري للإنسان.
وخلال الحرب الباردة، كان التعذيب النفسي موضع دراسات معمّقة في كلا معسكري تلك الحرب، بل أنه مورس بدرجات متنوّعة فيهما. ولم يكن مستغرباً أن يثور السؤال دوماً عن علاقة الأطباء النفسيين بالتعذيب، خصوصاً ما يطاول منه السجناء السياسيين. وعقب انهيار «الستار الحديدي» في تسعينات القرن الماضي، ظهرت وثائق كثيرة عن تواطؤ الطب النفسي في المعسكر الاشتراكي مع النظام السياسي. ومع التقرير الأميركي عن ممارسات «سي آي إيه»، باتت أصابع الاتهام ممدودة، بدعم من وثائق رسميّة، صوب الطب النفسي في الولايات المتحدة.
رسائل جورج دبليو بوش
بالتزامن مع نشر التقرير الأخير، عيّنت «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس» وكيلاً سابقاً في وزارة العدل الأميركيّة لقيادة تحقيق في دورها المفترض في مؤازرة استجوابات الـ «سي آي إيه» لسجناء اشتُبِه بدعمهم للإرهاب.
وكذلك أورد الصحافي الأميركي جايمس رايزن، من «نيويورك تايمز»، في كتاب بعنوان «دفع أي ثمن: الطمع والسلطة والحرب التي لا تنتهي»، أنّ «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس»، وهي أكبر جمعية مهنية أميركيّة لعلماء النفس، تخلّت عن مبادئها الأخلاقية عبر إعطائها الإذن لعلماء النفس بالمشاركة في استجوابات الـ «سي آي إيه» في سجن «غوانتانامو» الأميركي وغيره من الأماكن التي استخدمتها «سي آي إيه» لتلك الغاية. ووفقاً لرايزن، تمثّل الدافع الوحيد لذلك التواطؤ من قِبَل «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس»، في نيل استحسان الاستخبارات الأميركيّة ومسؤولي البنتاغون.
في المقابل، ردّت تلك الرابطة على ما أورده رايزن، مدّعية أنّها عملت في شكل وثيق مع وكالة «سي آي إيه» والبنتاغون كي تضمن أن سياسات الأمن القومي تُطبّق وفق ما ينصّ عليه العلم.
وأشار المحامي ديفيد هوفمان، من شركة «سيدلي أوستن للمحاماة» في شيكاغو إلى أن «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس» تتعاون في شكل كامل في تحقيق حقوقي عن تلك المسألة.
وفي مقابلة نشرتها مجلة «ساينس إنسايدر» Science Insider العلميّة، شدّد هوفمان على أنه مصمّم على اقتفاء آثار الأدلة في تلك المسألة، مهما كلّف الأمر، مؤكّداً أنه يعتزم نشر تقرير متكامل عن الموضوع بحلول آذار (مارس) 2015.
كذلك يتضمن كتاب رايزن ما يزيد على 600 رسالة إلكترونيّة بين مسؤولين في»الرابطة الأميركيّة لعلم النفس» ووكالة الاستخبارات المركزيّة والبيت الأبيض في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، بين العامين 2003 و2006. وكان الأميركي سكوت غيرويهر هو المصدر الأساسي الذي أفصح عن تلك الرسائل، وهو باحث متعاقد في «وكالة الاستخبارات المركزيّة» وخبير في عمليات «كشف الخداع»، ووافته المنيّة في حادث دراجة ناريّة في عام 2008. وخلال أحد مؤتمرات علم النفس قبل عامين، تشارك غيرويهر والطبيب النفسي برادلي أولسون، من «جامعة لويس الوطنية» في شيكاغو، في الإعراب عن مخاوف متنوّعة في شأن ما سمّياه «برنامج الاستجواب المتقدّم». وقبل ذلك، رتّب أولسون لقاءً بين غيرويهر وناثانيل ريمون، وهو باحث في مجال حقوق الإنسان يعمل في «جامعة هارفرد». وبعد وفاة غيرويهر، سلّم مصدر مجهول أرشيفاً يشمل ما يزيد على 600 رسالة بريد إلكتروني، إلى «مكتب التحقيقات الفيديرالي» («إف بي آي» FBI) وأولسون ورايزن وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أن مصادر إعلاميّة أميركيّة كثيرة شدّدت على القول إنه لا يوجد دليل أو شبهة على أنّ الحادث الذي قضى فيه غيرويهر مفتعل.
في كتابه «دفع أي ثمن: الطمع والسلطة والحرب التي لا تنتهي»، يشير رايزن إلى أن أهمية ملفات غيرويهر لا تكمن في ما تقوله عنه أو عن أفعاله، بل في كونها تساعد على الكشف عن شبكة ضيّقة من علماء الطب النفسي الذين كانوا متلهفين جدّاً لإبرام عقود مع وكالة «سي آي إيه» والبنتاغون، ما دفعهم إلى عدم إظهار مخاوف كبيرة حيال الانخراط في مؤسّسات تستخدم علوم الطب النفسي لمعاملة السجناء بوحشية.
كذلك تساعد ملفات غيرويهر على الكشف عن علاقات وثيقة بين الحكومة وعلماء الطب النفسي، وأنها سهّلت على البنتاغون و «سي آي إيه» المركزيّة، تطوير بنية تحتيّة كبيرة مخصّصة لعمليات الاعتقال والاستجواب.
في المقابل، علّقت «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس» على ما يورده رايزن في كتابه الآنف الذكر، بأن كلماته ربما تخلق جوّاً من الارتباك لدى الجمهور وأعضاء الرابطة. وقالت: «يفرض ذلك الارتباك، إضافة إلى خطورة المعطيات الواردة في كتاب رايزن، إجراء تدقيق نهائي ومستقل وموضوعي حولها»، مشيرة إلى أن ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة الرابطة سوف يتعاونون مع تحقيق هوفمان.
في المقلب الآخر من المشهد عينه، ظهر تشكيك في إدّعاءات «الرابطة الأميركيّة لعلم النفس»، بلسان عضو فيها، إذ أوضح جان ماريا أريغو، وهو عضو في فريق العمل الذي شكّلته في العام 2005 للتدقيق في شأن ممارسات لأطباء النفسي متّصلة بفضائح التعذيب في سجن «أبو غريب» في العراق، أنه يشك في صحّة ما تدّعيه الرابطة في شأن التحقيق في ممارساتها.
ويمارس الطبيب النفسي أريغو مهنته في «ريفرسايد» في ولاية كاليفورنيا. وساهم في عام 2003، في تشكيل مجموعة تعارض فكرة تورّط علماء النفس في ما سمّاه «الإساءة التي تدعمها الدولة». ويبدو أنها فضيحة ضخمة، ما زالت في بداياتها.

الحياة

التعليقات مغلقة.