توقعات أمريكية بفشل خطة مبعوث الأمم المتحدة في سوريا.. والخبراء يرونها إذلالا دبلوماسيا آخر

90

22qpt993 يعتقد محللون أمريكيون بأن الأمم المتحدة تتجه إلى إذلال دبلوماسي آخر في سوريا وهم يلتقطون أكثر من اقتراح لمبعوث المنظمة العالمية ستيفان دي ميستورا بهدف بدء سلسلة من اتفاقات إطلاق النار بين الحكومة السورية وبعض الجماعات المتمردة بدءا من مدينة حلب المحاصرة. أما أفضل سيناريو يمكن الحصول عليه كما يقول الخبراء فهو الاتفاق على إنشاء مناطق هدنة وتجميد للأعمال العدوانية والسماح لجميع الأطراف بالتركيز على المعركة الرئيسية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
تلقت الخطة بعض التشجيع الطفيف من النظام السوري وقدرا كبيرا من الانتقادات من المراقبين الأمريكيين، وخلص خبراء إلى ان هنالك أملا ضيئلا في نجاح الخطة لأن كلا من الحكومة السورية والجماعات المتمردة المعتدلة يشعرون نسبيا بأن لديهم الفرصة لكسب المعارك. وهنالك اعتقاد غربي بأن الجيش السوري قد يتقدم في الأشهر القليلة المقبلة لسحق المعارضة في عدة مواقع كبيرة للمعارضة مثل حلب عوضا عن الالتزام باتفاقيات لوقف إطلاق النار.
الإدارة الأمريكية شككت في أكثر من مناسبة بنجاح الخطة مع التأكيد على شكر ودعم الولايات المتحدة لجهود ميستورا للتوصل إلى حل سياسي. وقالت جين بساكي الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية ان واشنطن شاهدت مرارا في السابق فشل محاولات إطلاق النار بين الجهات المحلية وإذا كانت هنالك أي خطوات حقيقية يتجه الأسد نحوها، فإن ذلك بالتأكيد سيكون نهجا مختلفا عن الأشهر الوحشية الماضية ولكن سنرى ما يحدث.
هل ستدعم الولايات المتحدة الخطة رغم توقعاتها المتشائمة وقناعتها بالوصول إلى النتائج السابقة نفسها المخيبة للآمال في سوريا على الأقل عبر تقديم يد المساعدة لميستورا أو الأمم المتحدة؟ الإجابة الوحيدة التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما هي التشكيك مجددا بمواقف الأسد ومحاولات وقف إطلاق النار والقول بأن المجتمع الدولي بحاجة إلى رؤية أكثر بكثير من مجرد الكلمات للبرهنة على وجود اهتمام حقيقي من جانب النظام السوري في المضي قدما في هذا الطريق. زار مفوض الأمم المتحدة القاهرة وعواصم عدة، وعقد الكثير من الاجتماعات واقترحت تقارير إعلامية بأن بعض الدول الإقليمية قد تدعم الخطة بجدية،هل ترى الولايات المتحدة الخطة كخطوة جيدة أو ايجابية بدلا من تقديمها بطريقة تشير إلى معرفة ما يحدث في المستقبل؟ تجيب بساكي على ذلك بالقول ان الولايات المتحدة تدعم بالطبع وقف إطلاق النار الذي من شأنه توفير الإغاثة الحقيقية للمدنيين السوريين بما ينسجم مع المبادئ الإنسانية، ولكنها أكدت في الوقت نفسه على ضرورة ان يفتح الجميع عيونهم بعناية عند الخوض في هذا الأمر.
ويفضل المسؤولون الأمريكيون الذين لديهم خبرة في الشأن السوري والحرب الأهلية المندلعة لأكثر من 3 سنوات رؤية خاتمة أكثر حسما وأقل غموضا من الناحية الأخلاقية، كما يلاحظ الخبراء ان النهج التدريجي لتسوية النزاعات يؤجل دائما الأسئلة الوجودية إلى تاريخ لاحق على أمل انها ستكون أسهل لاتخاذ القرار بعد ذلك. ويلاحظ المحلل جيمس تروب بأن الأمم المتحدة لديها تاريخ طويل في صياغة وقف إطلاق النيران في مناطق الحرب مثل البوسنة ودارفور ولكنها انهارت بفترة أسرع من الوقت الذي بذل للتفاوض.
وليس هنالك أي سبب للاعتقاد بأن الحكومة السورية ستشارك في هذه الخطة الجديدة بحسن نية كما يقول المحلل ريشارد غوان حيث انها وقعت سابقا على وقف إطلاق الأعمال العدائية في اوئل عام 2012 بوساطة من كوفي عنان ولكنها انتهكت الاتفاقية بشكل وحشي أمام قوات حفظ السلام. كما مارس المبعوث السابق للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي هوايته بمحاولات وقف إطلاق النار ولكن دون تأثير يذكر، وقد كان هنالك أمل في ان تمتد الجهود الدولية الرامية إلى تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا إلى محاولة تخفيف التوتر بشكل عام ولكن مرة أخرى شعر الجميع بخيبة أمل.
ويضيف المحلل غوان مدير مركز الأبحاث والدراسات في جامعة نيويورك ان للأمم المتحدة الحق في تعويم خطتها الجديدة بعد خساراتها الدبلوماسية في الحرب السورية وخاصة فشل خطة عنان للسلام الذي اضطر لتكريس وقته تحت ضغط من الولايات المتحدة والقوى الغربية للتوصل إلى اتفاق واسع النطاق عبر جهود رفيعة المستوى للتوصل مع روسيا إلى اتفاق بشأن الصراع. وقد توجت الخطة بتخبط يمكن التنبؤ به تماما في مؤتمر جنيف للسلام في كانون الثاني/يناير الماضي.
الدبلوماسية الدولية الكلاسيكية كانت ترى في موسكو القدرة على فرض نهاية للحرب ولكن الخبراء كانوا يرون ان العملية برمتها أصبحت بعيدة عن الجهود الدبلوماسية مع وحشية الصراع على الأرض وفوضى الاقتتال. ويتفق معظم المحللين على ان السلام يجب ان يبنى من الألف إلى الياء في الصراعات الفوضوية، وفي دورهم لم يكن قادة بعثات الأمم المتحدة على غفلة عن هذه الحقيقة وخاصة الإبراهيمي الذي رأى عمله مع الروس كمقدمة لعملية أكثر تعقيدا من المحادثات مع اللاعبين داخل سوريا مثل التجربة الأفغانية بعد سقوط طالبان ولكنه كان يعتقد بانه لا يمكن التعامل بمصداقية مع الفصائل السورية لوحدها بدون مشاركة الجهات الإقليمية الفعالة مثل السعودية وإيران ودعم كامل من واشنطن وموسكو، وقد شلت هذه القيود بالفعل جهوده بشكل دائم.
ويرى المحللون الأمريكيون ان الاستراتيجية الدبلوماسية للأمم المتحدة تجاه سوريا أصبحت بعيدة تماما عن الأحداث على الأرض وهي تركز على تخفيف التوترات بين القوى الكبرى بدلا من الحرب نفسها، حيث حافظت الأمم المتحدة على اتصالات مع المؤيدين والمناهضين للحكومة وتوسطت بالفعل لإنجاز بعض صفقات وقف إطلاق النار على المستوى المحلي هذا العام بما في ذلك هدنة إنسانية تسمح باجلاء المدنيين من مدينة حمص المحاصرة، ولكن المبادرة الجديدة المهمة من الناحية السياسية تشير إلى ان الأمم المتحدة ملتزمة الآن في التوصل إلى حل من الأسفل إلى الأعلى بدلا من انتظار روسيا للموافقة على صفقة من أعلى الى أسفل.
وهكذا سنصل الى نتيجة من مبادرة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا هي انه يمكن للأمم المتحدة على الأقل ان تلعب دورا أكثر مرونة في الصراع من الآن فصاعدا بحيث تنتهز الفرص للوساطة عند ظهورها بدلا من البحث عن صفقة دبلوماسية كبيرة غير قابلة للتحقيق وهي استراتيجية تعطي الأولوية لتخفيف النزاع عوضا عن بناء سلام مستدام وبذلك تتجنب الأمم المتحدة عمدا الأسئلة الصعبة حول مستقبل سوريا على المدى الطويل.
ويعتقد المحللون الأمريكيون هنا بأن الأمم المتحدة يجب ان تكون متواضعة فقد حاولت بالفعل في الماضي إيجاد حلول ولكنها فشلت، وبالنظر إلى الحالة الراهنة في سوريا فهناك احتمالية صفرية لمجلس الأمن في محاولة فرض اتفاق سلام شامل في سوريا وإذا تحقق ذلك بمعجزة فان هنالك توقعات سريعة بانهيار الاتفاق حيث يلح جناح الصقور في الوسط السياسي الأمريكي على عمل عسكري ضد دمشق، كما ان علاقة روسيا الحالية مع الغرب لا تؤهل للتوصل إلى اتفاق حول مستقبل سوريا وإنهاء النزاع لذا فإن الخيار الوحيد للأمم المتحدة هو اعتماد استراتيجية تهدف إلى التخفيف من القتل وإنقاذ بعض الأرواح. وبالتأكيد ستتعرض ديبلوماسية الأمم المتحدة إلى بعض الإهانات ومن الممكن ان تذهب عمليات وقف إطلاق النار إلى نتائج خاطئة ولكن الأمم المتحدة قادرة على تجاوز ذلك لأنها عانت أسوأ من ذلك.

رائد صالحة /القدس العربي

التعليقات مغلقة.