دي ميستورا واللعب خارج الملعب /علي العبدالله

27

APTOPIX Turkey Syriaانطلق السيد ستيفان دي ميستورا في مبادرته تجميد القتال في مدينة حلب من تجزئة الحل كآلية لتوفير مناخ لإقلاع مسار باتجاه حل سياسي للصراع من دون تحديد طبيعة هذا الحل.
فهل من فرصة للنجاح؟
يبدو ان دي ميستورا اراد استثمار استحالة الحسم العسكري والاعياء الذي اصاب المواطنين جراء استمرار القتل والتدمير، وما ترتب عليهما من نزوح وتهجير، فبنى تصوره من نقطة اختبارية جد متواضعة: تجميد القتال في مدينة حلب، واختار حلب كمختبر لخطوته لاعتبارات تتعلق بكثافتها السكانية والأخطار التي يمكن ان تنجم عن استمرار القتال فيها على السكان ودول الجوار في آن.
غير ان خطوة التجميد في حلب فقط لن تكون مجدية لاعتبارات تتعلق بالوضع العام وبالوضع العسكري في ريف حلب تحديداً، وبخاصة الوجود القوي لـ «داعش» و «النصرة» فيه. فقوى المعارضة المسلحة التي تتواجه مع جيش النظام ليست واحدة او موحدة بل تختلف من منطقة الى أخرى وتتباين خياراتها وخططها ما يجعل تجميد القتال في حلب خارج حساباتها وتقديراتها للموقف رغم انعكاسه السلبي عليها وعلى المناطق التي تتحرك فيها اذا ما نجح النظام في تحريك قواته الى ريفها او الى مناطق أخرى، وتحرك جيش النظام الى ريفها قد يمكنه من السيطرة عليه وقطع خطوط الامداد على كتائب المعارضة في الجزء الذي تسيطر عليه، والعمل على فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء المواليتين، ما يكرس تغيّراً في الميزان العسكري في المحافظة لصالحه.
وهذا يستدعي ضمانات قوية لمنع تحريك القوات كي يقبل الطرف الثاني الدخول في العملية، عملية جربت سابقاً ولم يلتزم النظام بها، ناهيك عن ضرورة التزام «داعش» و «النصرة» بذلك، فهل في تصور دي ميستورا خطوة كهذه، واذا لم يتم ذلك فلن تنجح الخطوة ولن يتم تعميمها على المناطق الأخرى. كان الدكتور يزيد صايغ لاحظ في مقاله «لمواجهة الدولة الإسلامية، التمسوا هدنة في سورية» (مركز كارنيغي للشرق الاوسط: 18/9/ 2014) هذا الجانب ودعا الى تجميد شامل للقتال والتفرغ لقتال «داعش». وأشار الى احتمال ان تلعب الفترة الزمنية التي سيستغرقها تجميد القتال دوراً في تغيير المزاج الشعبي على جانبي الصراع والذي قد يضغط لمنع العودة الى القتال ثانية. هذا من دون ان ننسى الأثر السلبي الذي تركه السيد دي ميستورا لدى المعارضة والدول المؤيدة لها بإشراكه ايران بالمشاورات حول خطته، وهي المعتبرة جزءاً من المشكلة في ضوء الدور الذي لعبته في دعم النظام سياسياً ومالياً وعسكرياً وزج ميليشيا تابعة لها في القتال الى جانبه، ناهيك انه لم يزر أياً من الدول المؤيدة للمعارضة.
وهذا جعل المعارضة، والدول المؤيدة لها، تنظر الى المبادرة بحذر وتحفظ بخاصة لجهة عدم وضوح سياق العملية ومآلاتها النهائية، بحيث تتضح مواقف طرفي الصراع من هذه المآلات.
تبقى النقطة الجوهرية التي تعترض نجاح المبادرة، وهي اختلاف وجهات نظر طرفي الصراع حول معنى النجاح الذي سيُقرر في ضوئه نقل العملية الى منطقة أخرى حيث يرى النظام النجاح في عودة سيطرته على المدينة، ويعتبر ما حصل في حمص مقياساً لذلك، في حين تنظر المعارضة الى النجاح نظرة مختلفة أساسها عدم استثمار النظام لفترة التجميد وتحريك قواته لإتمام إغلاق طرقها الى الريف ووقف إلقاء البراميل المتفجرة، مستندة الى القرار الدولي الرقم 2165 الذي دعا الى ذلك، وإعادة الخدمات الى المدينة والإفراج عن المعتقلين.
لا يكمن انعدام فرصة نجاح المبادرة في الجوانب الاجرائية وعدم أخذها هواجس ومخاوف المعارضة في الاعتبار فقط بل وفي تباين المواقف الاقليمية والدولية منها. فمع التلويح بدعم جهود المبعوث الدولي من قبل دول كثيرة فإن مواقفها من المبادرة متباينة، ان لم تكن متعارضة، فالولايات المتحدة التي تركز على الحرب ضد «داعش» في العراق نظرت الى المبادرة كفرصة لكسب الوقت لتأجيل تحركها بخصوص الوضع السوري في ضوء تغير ملموس في موقف الرئيس الاميركي وربطه بين هزيمة «داعش» وإطاحة رئيس النظام. وروسيا كانت تحضر لإطلاق موسكو1، رداً على استبعادها من التحالف الدولي واختراق محميتها السورية من قبل طيران التحالف من دون تنسيق مسبق، لذا ارادت الحفاظ على خطتها فدعت دي ميستورا الى العمل وفق اعلان جنيف1 وفي ضوئه. مصر تحفظت لأنها كانت على تواصل وتنسيق مع روسيا في تحركها لعقد موسكو1، ايران لم تقل كلمتها لأنها تقف على العتبة الاخيرة في مفاوضاتها مع مجموعة الـ 5+1 وتخشى من نقلة خاطئة تنعكس سلباً عليها. تركيا رفضت المبادرة ودول الخليج صمتت لأنها لم تتبين نهاية النفق لترى إن كان يناسب توجهها وخياراتها.
على دي ميستورا كي ينجح في اقناع المعارضة وجمهورها والدول المؤيدة لها ان يوضح النهاية التي يسعى اليها وان يربط مبادرته الشاملة بجذر الصراع: ثورة شعبية ضد النظام، وان يصوغ الحل النهائي بحيث يضمن السوريون قيام سورية مستقرة وآمنة، ديموقراطية وعادلة.

الحياة

التعليقات مغلقة.