دراما بريطانية تغوص في عالم الطبقات العمالية

64

e649d487cace47e7afd658c13df5f946عاد في زمن واحد تقريباً المسلسلان البريطانيان: «المصنع» (يعرض على قناة C4)، و»القرية» (القناة الأولى لـ»بي بي سي»)، في موسمين انتهى عرضهما أخيراً.
الموسم الأخير، هو الثاني للعملين الدراميين اللذين يملكان طموحاً فنيّاً كبيراً، كشفه الذين يقفون خلفهما بتصريحات صحافية سابقة، بتقديم قرنين تاريخيين في عشرة مواسم تلفزيونية، متتبعة فيها قصص أفراد وأمكنة بريطانية مُحددة، مركزة في الوقت ذاته على التغيرات التي حَلّت بالمجتمع البريطاني عبر تلك السنوات المُتقلبة والمفصلية، بخاصة لجهة علاقة الطبقات الاجــــتماعية فيه، وكيف خرجت الطبقات العاملة تدريجياً من قيود وهيمنة الطبقة البــورجـــوازية الغنية، في صيرورة ما زالت متواصلة حتى اليوم في الجزيرة البريطانية.
وعلى رغم الاحتفاء النقدي الذي نالته المواسم الأولى من العملين، إلا إن عودتهما كانت غير مؤكدة، فالزمن تغير كثيراً، وحتى «مؤسسة هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) الحكومية التمويل أو القناة الرابعة النصف حكومية، لن تغامرا بمواصلة عرض مسلسل درامي على جودته في ساعات الذروة المسائية من دون حد أدنى من نسب المشاهدة، والتي حصل عليهما بالكاد الموسم الأول من المسلسلين، الأمر الذي سهل عودتهما، لكنه لا يمنح تأكيدات باستمرارهما في مواسم جديدة.
يُقدم مسلسل «القرية» وبمشهديات رائعة وأسلوب فنيّ لم تعتده المسلسلات التاريخية البريطانية عموماً، قصة عائلة بريطانية فلاحية تعيش في قرية صغيرة، ستكون الأخيرة بمثابة «مايكروسكوب» لما مرَّ في بريطانيا منذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته، تتردد في أرجائها صدى الأحداث والتغييرات الكبيرة.
الموسم الأول قدم السنوات الأولى من القرن حتى سنوات قليلة بعد الحرب العالمية الأولى، فيما تناول الموسم الثاني عقد العشرينات وبداية الحراك الشعبي وصعود الأفكار العمالية وتصادمها المُتوقع مع الطبقات الغنية المُتسلطة.
أما مسلسل «المصنع» فيعود إلى قرن سابق لذلك الذي تدور فيه أحداث «القرية». وعلى عكس الأخير، تغلب السوداوية والعتمّة على مناخه، إذ يقدم معملاً للنسيج في شمال إنكلترا، كان يُشغل أطفالاً ومراهقين في ظروف عمل بالغة السوء. وسيشكل «المعمل» الأساس الذي تنطلق منه الأحداث (يستند المسلسل إلى قصص وشخصيات حقيقية وأخرى مُتخيلة)، والتي ستدور بشكل أساسي عن الصراع المرير الذي خاضته قوى عمالية في القرن التاسع عشر للحصول على حقوقها من الطبقة المالكة المتسلطة.
وعلى رغم إن المسلسلين نُفِذا في ظروف إنتاجية مُختلفة، إلا إنهما يكادان أن يكملا بعضهما في تتبع الزمن البريطاني والأحداث العاصفة التي مرت به، وأيضاً في عرض نماذج مُختلفة من الطبقة العمالية، روح الثورة الصناعية البريطانية الحديثة، والتي كانت تعيش في ظروف مُزرية، والرفض الذي بدأ خافتاً، قبل أن يتطور إلى هدير سيغير كثيراً في الإمبراطورية البريطانية، القوة الأكبر على الأرض وقتها.
ما يلفت في المسلسلين هو الصورة التي قدمها للرجل والطبقة الغنية البريطانية، والتي تأتي على النقيض مثلاً مما اعتادت مسلسلات تاريخية بريطانية تقديمه، أي الرجل النبيل الصادق، فأغنياء «القرية» و«المصنع»، هم أنانيون إلى حدود الشرّ، متأزمون، مشغولون بمشاكل طبقتهم، لا يعنيهم الكثير من أمور الطبقات الأدنى، عدا مواصلة استغلال هؤلاء. هذا التقديم لا ينزلق نحو التنميط، فالجهد الذي بذل في كتابة الشخصيات تلك وتمثيلها، لا يختلف عن ذلك للطبقة العاملة، لكنه بدا كنتيجة لعمليات بحث طويلة، قادت إلى رسم شخصيات بغيضة جداً.
كما يشترك المسلسلان في نفسهما الفنيّ المُبتكر، ورغبتها في التميز والتجديد في زمن المنافسة التلفزيونية القوي الذي تعيشه القنوات الغربية. من هنا اتجه كثير من الاهتمام في العملين إلى تفصيلات جماليّة شكليّة، بخاصة في مسلسل «القرية» الذي كان موسمه الأول تجديداً مُهماً للمسلسلات التاريخية البريطانية. أما مسلسل «المصنع»، فذهب كثير من جهده لنقل قسوة الحياة للفقراء في القرن التاسع عشر، وهو الأمر الذي سيميزه عن مسلسلات حاولت الاقتراب من الموضوعة ذاتها.

عن الحياة

التعليقات مغلقة.