قُلْ لي يا صديقي، ما تكونُ خشبةُ الأبجديّة؟ أدونيس
(رسالة إلى صديق هاجَرَ ولم يَعُد )
لا أعرف إن كنتَ أيّها الصّديق ستقرأ هذه الرسالة
قلتُ، مع ذلك، سأسلمها إلى البريد،
ولن أسأل : هل سيكون هذا البريدُ جناحاً أو نملة؟
في كلّ حالٍ،
ستكون الطّيورُ التي أحبَبْناها معاً واقفةً على أطراف الكلمات،
ستكون الأزهار التي زرعناها في حديقتك نائمةً بين الحروف،
وسوف ترى النهارَ والليلَ يتخاصمان فيها.
قبل هجرتك المُفاجِئة،
طرحْتَ عليّ، أيّها الصّديق، هذا السؤال :
هل سمِعْتَهم ؟
وأجَبْتُك : نعم.
ـ وماذا قالوا ؟
ـ قالوا:
لكم أسماءُ، لكن لا بيوتَ لكم.
لكم دروبٌ، لكن لن تكون لكم أقدامٌ.
لكم شِفاهٌ، لكن دون ألْسِنة.
لكم لغةٌ، لكن حذارِ أن تقولوا : لنا كلامُنا.
حين يُتاحُ لكم أن تتكلّموا،
ستنطفىء جميعُ الأضواء،
خيرٌ لكم إذاً أن تنطفئوا منذ الآن.
هل كثيرٌ إذاً أن نقول :
الهواءُ نفسُه يُخطِىء حين يهبُّ في فضائنا؟
*
هكذا دَرَجْنا على أن نقتاتَ بالكتب ونعيشَ صاعدين هابطين على سلالم التّعاليم.
زُرنا سجوناً لا جدرانَ لها إلاّ الصلوات
سِرْنا في شوارعَ تُجَيِّش كلّ شيءٍ لكي تعتقِل من يسير فيها.
أصغينا إلى حقائق تتدحرج على الألسنة والحناجر كمثل كُراتٍ من الإسمنت.
لكن، كنّا نشعر، في هذا كلِّه، ويا للغرابة،
أنّنا نتحرّك مجبولين بطين اللانهايات.
حقّاً ينبغي أن نبتكرَ ضحكاً آخرَ وبكاءً آخر.
*
بعضُنا حاول مرّةً أن يُصادقَ النّجومَ
فعاداه الليل.
وبعضُنا حاول أن يصادِقَ الليلَ فعادَتْه النُّجوم، ـ
فيما بقيَ كلُّ شيءٍ على حاله، وعلى ما يرام :
الدّجاجُ يبيضُ القنابل
والخِرافُ تَرْعى قُطعانَ السّكاكين. *
ها نحن يا صديقي، نواصِلُ المَسيرةَ :
بآلةٍ مُفَخَّخَةٍ يمتطيها فارسٌ،
تَنْحَتُ الرّوحُ قبرَها في صَخْرةٍ كوكبيّة.
ودائماً تستبقُ الفَخَّ بمَكرٍ خاصّ :
تَجْمَعُ أشلاءَ الفارسِ
عن الحياة
التعليقات مغلقة.