واقع منظمات المجتمع المدني في الحسكة

24

خوشناف سليمان

 

 

 

 

 

خوشناف سليمان *

ما نريد إثارته في هذه العجالة هو غزل جدائل المفاهيم, والتحريض على الحوار الجدي, والجدل الفكري للمفاهيم المدنية المستقبلية, والتي لا تزال مرفوضة لدى الكثير من الحكومات بحجة مستورديتها من الغرب وتعارضها مع (قيمنا وأعرافنا), وخطورتها على خصوصيتنا ووجودنا, على الرغم من انبلاج الحقائق لصالح المجتمعات والإنسان كوجود في تطبيق مفهوم الشراكة الكاملة في الواجب والمسؤولية تجاه الوطن, وتنمية روح الديمقراطية الضامنة لمفاهيم التعددية العصرية, والمنافية بشدة لمفهوم الحزب الواحد (الحاكم), هذا الحزب الذي يختزل الوطن والشعب في شخصه, ويصهر جميع الذوات في ذات القائد المغوار.

لقد استُلبت من جموع الشعب الإرادة والطموح لبناء مستقبل يليق بالإنسان قبل أي شيء آخر, ولكن هل يتسنى لمؤسسات وهيئات وفعاليات المجتمع المدني الوليدة أن تنظم عملها, وتحقق أهدافها خاصة في ظل ظروف ملتهبة وأوضاع غير مستقرة؟

إن ما يقف في وجه المجتمع المدني كفكرة, هي الذهنية القائمة, إذ ليس من السهولة إدخال الفرد في أجواء جديدة عليه, من حيث استبدال وكسر الروتين الذي بنيت عليه حياته, وهذا ما يضعنا إزاء محاولة النظر في أجواء العمل المدني لمراكز تعلن عن نفسها كمنظمات مدنية, غير آخذة بعين الاعتبار أن كل جديد كحركة في أي مجتمع, هو حركة بطيئة وتحتاج إلى عقود كي تؤتي
نتائجها, بالتالي فهي مراكز لا تستند إلى أية خطة تراهن على الزمن من حيث النتائج.

إن عمل هذه المنظمات – بغالبيتها – قائم على أساس نظام القرابة, وبالتالي فأن أهدافها الحقيقية تتلخص في :

1-    الكسب المادي.

2-    الوجاهة الاجتماعية.

3-    إرضاء الأحزاب الداعمة أو الجهات الممولة.

لذا لابد لنا من إعادة مراجعة معمقة لجميع المفاهيم المدنية لما تنطوي عليه من أهمية, ولما لها من تأثير في رسم الخطط والسياسات في ظل حكومات ديمقراطية, وسلامة الدستور لصالح الوطن والمواطن كإنسان فرد يشكل مجتمعاً بكامل خصائصه التعددية والجمعية.

لا بد أولاً من الوقوف على بعض الأسباب التي أدت إلى فقدان مفاهيم المجتمع المدني لرونقها داخل حصون ممالكها المغلقة, وإمكاناتها المحدودة, وافتقارها للدور المنوط بها لتكوين الذات المستقلة, للتعبير عن أهدافها وطموحاتها في ضوء مستجدات الواقع الراهن .

إن النجاح والفشل الناتجين عن الاشتغال في الشأن العام يرتبط ارتباطاً وثيقاً في بلداننا بالذات بشخصيات أولئك القائمين على هذا العمل أكثر مما يرتبط بمنهجية وخطة العمل وطبيعة النشاطات الاجتماعية التي تقوم بها هذه الجهة أو تلك.

وكذلك فإن العوامل الموضوعية والذاتية الصعبة تشكل حاجزاً مانعاً يحول دون تحقيق ما تصبو إليه هذه الفعاليات, والمراكز الناشئة من أهداف وتوجهات, لذلك لا بد لها من وضع آليات عمل وابتكار أساليب أكثر فعالية, تعينها على تحقيق قدر من الانجاز للاستحواذ على ثقة الناس لكسر الطوق, والخروج من الحصن, وسبر أعماق المجتمع على نحو متدرج.

لا يمكن للمؤسسات المدنية أن تحقق أهدافها في التنمية والبناء, بمعزل عن الدعم الخارجي, والتواصل مع المنظمات الدولية, بالإضافة إلى وضع إستراتيجية مدنية تعبر عن واقع يمس غايات ومصالح الناس العامة, وبشكل خاص الفئات المستهدفة من المجتمع .

ومن خلال رصدنا لعمل العديد من مراكز النشاطات المدنية (المتوالدة بالانشطار ) في المجالات المختلفة, وعلى الرغم من رسم الخطط ووضع البرامج, إلا أن منطلق عملها كان قائماً على مبدأ “ما حدا أحسن من حدا ” في غياب العصا الأمنية, هذا المبدأ الذي عمل به الكثير من المقصرين في السابق فأرادوا لذواتهم مراكز اجتماعية, والاستفادة من جوانب أخرى باستغلال المراكز لصالح العائلة, وذلك بتطويع أبنائهم, وبناتهم, وأقاربهم, ومنحهم المسؤوليات الإدارية للتستر ربما على ما يمارس من أعمال وأفعال منافية للمفاهيم المدنية الراقية والشفافة.

إن أكثر الذين تبنوا فكرة تأسيس جمعيات, وحركات, وروابط, وفتح مراكز تحت مسميات مختلفة, كان تقليداً قائماً على التطويع الانتقائي من أفراد مقربين أولاً, وبذلك تم تحصين مراكز النشاطات المدنية من أي اختراق جماهيري لها, أو قدرة لها على الاختراق نحو الجماهير الشعبية من المجتمع العام, لدرجة أن الجمعية باتت تعرف لا باسمها, وإنما باسم شخصية احتكرت لنفسها الأضواء, والفضاءات المدنية بدلاً من تغيير ما بنفسها من تراكم ثقافة الفساد, والسعي نحو التأثير في المناخ العام.

واليوم ودون أية دراية, ومعرفة بالمرتكزات الأساسية لمفاهيم المجتمع المدني, والجهل في تحديد الفئات المستهدفة, وغياب الآلية لتغيير الذهنية القائمة, أخذت أوساط مختلفة تتناول مفهوم المجتمع المدني, بدءً من الإعلام المرئي والمقروء والمسموع, وليس انتهاءً بالأحزاب السياسية

بطول أذرعها الحزبية التي تقلص من حيز الاستقلالية للأنشطة الاجتماعية التطوعية بشكل أو بآخر, فمع تأسيس الأحزاب السياسية لفعاليات ومؤسسات تدعي المدنية, وهي في الأساس منظمة (سياسية) تابعة لها وتخدم أجنداتها السياسية انمحت الخطوط بين مفهومي المدني والسياسي بينما يمر المجتمع بظروف معقدة وخطيرة, نتيجة غياب الدولة, وسيطرة القوى المسلحة كجهة كابحة لأي فعل مدني أو إنساني أو وطني تحظر العمل إلا بمباركة منها وتحت رايتها ورعايتها.

لا ننكر هنا ضرورة وجود قوة مسيطرة منظمة لحياة الناس, وحامية لمصالحها تجنب المجتمع التناقضات التي تهدد الأمن والسلام ولكننا إلى جانب ذلك مدعوون أكثر من أي وقت مضى إلى رصد الظواهر السلبية التي تهدد بنيان المؤسسات الاجتماعية المدنية والى إعادة الاعتبار للمثل الاجتماعية والإنسانية التي افتقدناها أو نكاد.

——————————————————————–

* المنسق العام لهيئة المجتمع المدني في الحسكة

التعليقات مغلقة.