رحلة داخل عقل فيسبوك.. كيف ترى الخوارزميات منشوراتك
نيرودا الحسين
في عالم تتسارع به التكنولوجيا من حولنا، ونشهد به ولادة، وتتطور العشرات من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي، نصطدم ونتخبط بأفكار مستمرة حول كيفية التفاعل مع هذا الكم الهائل من الأدوات الحديثة والبيانات والمعلومات والمنشورات، وكيف نصبح رقما يتم قراءته من الآخرين ويصعب تجاهله.
في الآونة الأخيرة، كان هناك منشور يتم تداوله بشكل واسع على منصة الـ “فيسبوك”، يحمل في طياته نصائح لتجاوز الخوارزميات واختراق جدار الصمت الذي يحيط بمنشوراتنا، ويمنح الكثير من الوعود الوردية لناشريه على صفحاتهم الشخصية بأن يخترقوا قوانين الـ “فيسبوك” ويصبحون بين ليلة وضحاها من المؤثرين على المنصة، دعونا نلقي نظرة على هذا النص، الذي يكشف عن درجة من الجهل بعقلية الـ “فيسبوك” وكيفية عمل الخوارزميات المعقدة.
تنقلب الصفحة، ويتكشف أمامنا المضمون، “من المؤسف أن لدي الكثير من الأصدقاء، ولا يظهر سوى القليل منهم في موجز الأخبار الخاص بي”؛ هنا، يظهر القلق من فقدان التواصل الاجتماعي الحقيقي والتأثير المفقود في غمرة هذا البحر الرقمي؛ ومع ذلك، هل هناك حل سهل يكمن في نسخ ولصق بضع جمل.
يستمر المنشور بشرح تفصيلي لخطوات يُزعم أنها قادرة على تحسين وضعك على منصة الـ “فيسبوك”، ولكن هل هي فعلا تقنية مبتكرة أم مجرد محاولة سطحية لتحسين الوضع، يُستخدم لغة مثيرة للدهشة والتحفيز، ولكن يظهر بوضوح أن الفهم الحقيقي لطبيعة الخوارزميات ليس موجودا.
في نهاية المطاف، دعونا نسأل أنفسنا، هل يمكن لنسخ ولصق نص أن يكون الحل الذي نبحث عنه، أم أن هذا المنشور يلقي الضوء على حاجتنا إلى فهم أفضل لكيفية التفاعل مع هذه المنصات والتأقلم مع تطوراتها المستمرة.
الخوارزميات.. لغز دقيق في لغة الـ “الفيسبوك”
الخوارزميات هي مجموعة من الخطوات أو القواعد التي تحدد كيفية حل مشكلة ما أو تنفيذ مهمة ما‘ مثلا، خوارزمية القسمة تحدد كيفية قسمة رقم على رقم آخر، خوارزمية الـ “فيسبوك” هي مجموعة من الخوارزميات التي تحدد ما يظهر لك على صفحتك الرئيسية، أو في خانة الإشعارات، أو في الرسائل، أو في أي مكان آخر على الموقع؛ هذه الخوارزميات تستخدم معلومات عنك وعن سلوكك على الـ “فيسبوك” وعن تفاعلاتك مع الآخرين لتقديم محتوى مخصص لك ومناسب لاهتماماتك وتفضيلاتك.
لكن كيف تعمل خوارزمية منصة الـ “فيسبوك” بشكل عام؛ ببساطة، تقيم كل منشور أو محتوى آخر على المنصة بناء على عدة عوامل مثل من هو الشخص أو الصفحة أو المجموعة التي نشرته، وما هو نوع المحتوى (صورة أو فيديو أو رابط أو نص أو استطلاع أو غيره)، وما هي الكلمات أو العبارات أو الوسوم التي تحتويها، وما هي التفاعلات التي حصل عليها من الآخرين (إعجابات أو تعليقات أو مشاركات أو ردود فعل أو غيرها)، وما هو الوقت الذي نشر فيه، وما هي المدة التي مضت عليه منذ النشر، وغيرها من العوامل الأخرى، ثم تعطي كل محتوى درجة أو نقاط تعبر عن مدى أهميته أو جودته أو صلته بك؛ وبعد ذلك، ترتب المحتوى وفقا لهذه الدرجات أو النقاط، وتعرضه لك بحيث ترى أولا ما هو أكثر أهمية أو جودة أو صلة بك، وترى آخرا ما هو أقل أهمية أو جودة أو صلة بك.
هنا يأتي السؤال، هل يمكنك تغيير ترتيب المحتوى الذي تراه على الـ “فيسبوك”، الجواب هو نعم، ولكن ليس بالطريقة التي يُزعم أنها تجاوز لعمل هذه الخوارزميات، فالمسألة تتجاوز مجرد نسخ ولصق منشورات النصية، كتلك المتداولة في المنشور المذكور، فمثل هذه المنشورات لا تمتلك السحر للتأثير في قوى الخوارزميات؛ فمع كل نقرة، يتعمق الغموض حول ما يحدث في عقل الـ “فيسبوك”، مما يجعل الحل للغز أكثر تعقيدا وتشويقا، وعلينا أن نكون على يقين أن هذه المنشورات النصية هي مجرد خرافات وأكاذيب، ولا تؤثر في خوارزمية الـ “لفيسبوك” أو ترتيب المحتوى بأي شكل من الأشكال، ولا من قريب ولا من بعيد.
فالـ “فيسبوك” فعليا، لا يهتم بما تكتب على حائطك أو ما ترسله إلى أصدقائك، بل يهتم بما تفعله على المنصة، مثل ما تنقر عليه أو ما تشاهده أو ما تتفاعل معه، إذا أردت تغيير ترتيب المحتوى الذي تراه على الـ “فيسبوك”، فعليك تغيير سلوكك على المنصة، مثل متابعة أو إلغاء متابعة بعض الأشخاص أو الصفحات أو المجموعات، أو تفضيل أو إلغاء تفضيل بعض أنواع المحتوى، أو التفاعل أو عدم التفاعل مع بعض المنشورات، أو تغيير إعدادات الخصوصية أو الأمان أو الإشعارات، أو غيرها من الخيارات المتاحة لك.
لذلك، في هذه الرحلة إلى عالم الخوارزميات، يظل السؤال الكبير هو: كيف يمكن للمستخدمين أن يفهموا ويتفاعلوا بشكل أفضل مع هذه القوى الرقمية المعقدة دون اللجوء إلى حيل سحرية دون فعالية، هذا هو اللغز الذي سنحاول حله فيما يلي من الرحلة.
عبقرية الفلترة الرقمية داخل مطحنة خوارزميات الـ “الفيسبوك”
في هذا الفضاء الرقمي الغامض، يكمن سر تجربتنا على منصة الـ “فيسبوك” في خفايا الفلترة والتصفية، حيث ترقص الخوارزميات المعقدة على أنغام التفاعلات والتصفحات لتقديم محتوى مختار بعناية في موجز الأخبار الخاص بنا.
موجز الأخبار هو المكان الذي ترى فيه آخر الأخبار والمستجدات من الأشخاص والصفحات والمجموعات التي تتابعها على منصة “فيسبوك”، لكن هل تعلم أنك لا ترى كل ما ينشر على المنصة في موجز الأخبار، بل ترى فقط ما يختاره لك الـ “فيسبوك” بناء على خوارزمية معقدة تقوم بفلترة وتصفية المحتوى، فهل تساءلت يوما لماذا لا ترى بعض المنشورات من أصدقائك أو صفحاتك المفضلة في موجز الأخبار على الـ “فيسبوك”، هل تعتقد أنهم توقفوا عن النشر، أو أنهم حذفوا حساباتهم، أو أنهم حظروك؟، هنا يكمن دور عمليات الفلترة والتصفية.
الفلترة هي عملية استبعاد بعض المحتوى من الظهور في موجز الأخبار بناء على معايير محددة؛ مثلا، الـ “الفيسبوك” يستبعد المحتوى الذي يخالف سياسات المجتمع أو القوانين المحلية، أو المحتوى الذي يعتبر ضارا أو مضللا أو مزيفا أو مسيئا أو مزعجا، الـ “الفيسبوك” يستخدم مجموعة من الطرق للتعرف على هذا المحتوى، مثل الإبلاغات من المستخدمين أو الشركاء، أو الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أو الفحص البشري، أو الاستفادة من المصادر الموثوقة أو الخبراء، الفلترة تهدف إلى تحسين جودة ومصداقية وأمان المحتوى الذي تراه على الـ “الفيسبوك”.
التصفية هي عملية ترتيب المحتوى الذي يتبقى بعد الفلترة بناء على مدى أهميته أو جذابيته لك؛ مثلا، الـ “الفيسبوك” يرتب المحتوى بحيث ترى أولا ما هو أكثر صلة بك أو ما تهتم به أكثر، وترى آخرا ما هو أقل صلة بك أو ما تهتم به أقل، الـ “الفيسبوك” يستخدم مجموعة من العوامل لتحديد مدى صلة المحتوى بك، مثل من هو الناشر، وما هو نوع المحتوى، وما هي التفاعلات التي حصل عليها، وما هي الوقت الذي نشر فيه، وغيرها. التصفية تهدف إلى تحسين تجربتك ورضاك عن المحتوى الذي تراه على الـ “الفيسبوك”.
هنا يأتي السؤال التالي، كيف يتم اختيار المحتوى الذي يظهر في موجز الأخبار بناء على تفاعلك مع صفحات وأصدقاء معينين، الجواب هو أن تفاعلك مع صفحات وأصدقاء معينين يعتبر من أهم العوامل التي تؤثر في تصفية المحتوى، فكلما تفاعلت مع صفحة أو صديق معين، كلما زادت احتمالية أن ترى محتوى منه في موجز الأخبار، وكلما لم تتفاعل مع صفحة أو صديق معين، كلما نقصت احتمالية أن ترى محتوى منه في موجز الأخبار، وهذا يعني أنك تلعب دورا مهما في تشكيل موجز الأخبار الخاص بك، فبتفاعلك تخبر الـ “الفيسبوك” ما تحب وما تريد أن ترى، وبعدم تفاعلك تخبره ما لا تحب وما لا تريد أن ترى.
هكذا، في داخل مطحنة خوارزميات الـ “الفيسبوك”، تتم العمليات بأمانة وابتكار، حيث يتلاقى البرمجيات بفن التفاعل البشري ليخلقوا لنا عالما رقميا فريدا وملهم.
رحلة تفاعل أفضل
بعد أن انغمسنا في أعماق عقل الـ “الفيسبوك”، تعلمنا ما هي خوارزمية الـ “الفيسبوك” وكيف تعمل وكيف تتحكم فيها، تعلمنا أيضا ما هي عمليات الفلترة والتصفية التي تقوم بها خوارزمية الـ “الفيسبوك” لتقديم محتوى مخصص لك في موجز الأخبار، وتعلمنا كيف تؤثر تفاعلاتنا مع صفحات وأصدقاء معينين على ظهور المزيد من المحتوى في موجز الأخبار.
لكن ماذا لو أردنا أن نزيد من فرصة ظهور منشوراتنا في موجز الأخبار للمستخدمين الآخرين، هل هناك طرق أو نصائح يمكننا اتباعها لتحسين تفاعلنا مع الـ “الفيسبوك” وجذب انتباه الخوارزمية، بعيدا عن المنشورات التي لا طائل منها ولا فائدة، الجواب هو نعم، وهذه بعض منها:
تفاعل على نحو مستمر مع منشورات أصدقائك وصفحاتك المفضلة، كلما تفاعلت مع منشور معين، كلما زادت احتمالية أن يراه الآخرون في موجز الأخبار، وكلما تفاعلت مع شخص أو صفحة معينة، كلما زادت احتمالية أن يرى محتواك في موجز الأخبار، فالتفاعل يعبر عن اهتمامك وتقديرك وتقوية علاقتك مع الآخرين، ويجعل الـ “الفيسبوك” يعرف ما تحب وما تريد أن ترى وما تريد أن تظهر للآخرين.
هذه بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لزيادة فرصة ظهور منشوراتك في موجز الأخبار للمستخدمين الآخرين، ولكن لا تنسى أن الـ “الفيسبوك” هو مجرد أداة للتواصل والتعبير والتفاعل مع الآخرين، وأن أهم شيء هو محتواك ورسالتك وهدفك من نشره، فلا تهتم كثيرا بالخوارزمية أو الترتيب أو النقاط، بل اهتم بما تنشر وما تقول وما تفعل على الـ “الفيسبوك”، وكن صادقا ومبدعا ومفيدا ومسؤولا في محتواك، وبهذا ستحصل على تفاعل أفضل وأكثر مع الآخرين، وستحقق رحلة تفاعل أفضل على الـ “الفيسبوك”.
المصدر: Exvar
التعليقات مغلقة.