لماذا يركز التحالف الدولي على «داعش» ويتجاهل الآخرين؟

47

التقاط

يستنفر العالم اليوم، بقواه الإقليمية والدولية، لمحاربة تنظيم «داعش» ونظائره، وتأخذ الحرب طابعاً شمولياً لا يقف عند حد المواجهة العسكرية بل يتعداه إلى قلب المجال اللوجستي الذي يشكل شبكة التغذية الأساسية للجسد «الداعشي»، التجنيد والتمويل، وتفكيك ما يعتقد أنها حواضن «داعش»، واللافت أن هذا المجال الهجومي يجري تأطيره بجملة من قرارات مجلس الأمن، وكلها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتطلب الالتزام بها من كافة الأطراف الدولية.

لا شك أن هذا الأمر يعكس قدراً من الجدية في الحرب التي يخوضها التحالف، كما أنه يثبّت قاعدة مهمة وهي أن العالم متى ما أراد فعل، لكن ذلك أيضاً يثير جملة من التساؤلات لدى قطاعات واسعة في المنطقة، ترفض الفكر والنهج «الداعشي»، لكنها في الوقت ذاته اكتوت من فكر مماثل ونهج متطابق، هو ممارسات التنظيمات الدينية القتالية الإيرانية، التي تساوي من حيث العدد أضعاف أولئك الذين ينضوون تحت لواء «داعش» و»النصرة» والكتائب السنّية المتشدّدة المتناثرة هنا وهناك، ويقدّرها البعض بأكثر من عشرين تنظيماً وحزباً، تتوزع بين أربعة بلدان عربية، العراق وسورية ولبنان واليمن، فضلاً عن التنظيمات النائمة في دول أخرى.

ليست تلك التنظيمات بطبيعة الحال مكوّنات مجتمع مدني ولا هيئات حزبية سياسية تعمل في أطر الثقافة والتنمية والخدمة الاجتماعية، بل هي تنظيمات مسلحة حتى أسنانها تتلقى تمويلاً ودعماً منتظمين، وقد جرى تأسيسها تحت شعارات مذهبية، إذ لا أهداف وطنية عامة لها، فهي ليست مخصصة لمقاومة الاحتلال الأميركي في العراق الذي انسحب ولم يحصل أن تصادمت معه يوماً، ولا هي مخصصة لمقاومة إسرائيل التي لم تعد موجودة في لبنان أصلاً، وكل تلك التنظيمات لا تخفي عداءها للمكوّن السني في المنطقة الممتدة من البصرة إلى صور في جنوب لبنان.

تسعى المنظومة التبريرية لوجود هذه التنظيمات إلى إدراجها ضمن نسق موجة «الأمن الذاتي» التي تحاول إبراز الطابع الأهلي على أصل تلك التنظيمات وطبيعة عملها، لكن هل هي مخصصة لحماية الأحياء والشوارع فقط؟ الواقع يقول أن مهمة هذه التنظيمات هجومية بالدرجة الأولى، وليس ذلك وحسب، بل وذات طبيعة عدوانية، والشواهد على ذلك أكثر من أن يجري إحصاؤها، ووفقاً لتقارير غربية فإن الشرطة المحلية في بغداد تعمل، كل يوم، على إخراج عشرات الجثث من نهر دجلة لشباب يجري ذبحهم ليلاً، يتم اصطياد بعضهم من العائدين من أعمالهم، وكذلك عبر مداهمات بيوت تقع في نطاق النشاط الأمني لتلك المنظمات، وينتمي كل المقتولين إلى مكوّن واحد (السني)، والقصد من وراء ذلك تحقيق عملية تطهير مذهبية!

في سورية أيضاً، يوجد العشرات من هذه التنظيمات، وقد جرى توثيق أعمالها التي يقع أغلبها على طيف من السلوكيات الجرمية التي تمتد من النهب (التعفيش) إلى الإخفاء والتمثيل بالجثث وارتكاب المجازر بحق قرى وأحياء ومناطق واسعة، في غالب الأنحاء السورية، وبكثافة في المنطقة التي تمتد من القلمون حتى ريف إدلب، وما بينهما حمص وحماة وريف اللاذقية، وامتاز إجرامها هنا بالمنهجية والتخطيط والتنظيم، بهدف إفراغ هذه المناطق من سكانها، وتشير الإحصاءات بهذا الخصوص إلى أن النسبة الأكبر من ضحايا الحرب على السوريين هم من أبناء هذه المناطق، ما يثبت تحقق أهداف تلك الميليشيات بدرجة كبيرة.

والمعلوم أن تلك التنظيمات ترتبط بطرف خارجي هو إيران، فهي التي أشرفت على هندستها من حيث الهيكلية والبنية وقامت بموضعتها في الجغرافيا المشرقية واخترعت لها مبررات وهمية، فيما هي تنخرط ضمن المشروع الإيراني بوصفها أدوات تنفيذية، وتستطيع إيران من خلالها ممارسة كل ما لا تستطيع دولة ممارسته، ووصل الأمر إلى حد أن إيران ما عادت تخفي ارتباطها بهذه المنظومة، حيث تتباهى بأنها صارت قابضة على زمام أربع عواصم عربية هي دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء.

والغريب أن إيران تتشدد في الحرب على الإرهاب، فهي لا يعجبها أن يحارب التحالف الدولي «داعش» و»النصرة» وحسب، بل تطالب بشمول الحرب كل الثوار السوريين، ولا بأس من قتل بيئاتهم والتنكيل بها، ويذهب رئيس إيران حسن روحاني، ومن على منصة الأمم المتحدة، إلى حد مطالبة بعض الدول بالاعتذار من الأجيال القادمة، ربما لأنها ساعدت في إنقاذ الملايين من اللاجئين!

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتجاهل التحالف الدولي هذه التنظيمات المرتبطة بإيران ويركز على «داعش»؟ لا تختلف تلك التنظيمات عن «داعش» سوى أنها تقتل ضحاياها من دون إعلام أو تصوير، فهل العالم يجامل على حساب الدم السوري؟ ألم يظهر «داعش» أصلاً كرد فعل همجية على الإجرام الذي مارسته تلك الجماعات التي جاءت تقاتل تحت رايات دينية وتطالب بالثأر لأحداث تاريخية غابرة؟

لن يهدأ المشرق ولن تتوقف السكين التي تغلّ في صدره طالما بقيت إيران تحرك أذرعها في قلبه، وبدل «داعش» سيظهر مئات الدواعش، لأن الشعوب ستجد نفسها دائماً أمام خطر وجودي، وعند تلك اللحظة لا يكون أمامها ترف التمييز بين السيء والحسن، بقدر ما سينصب همّها على حماية حقها في الحياة.

غازي دحمان/عن الحياة

التعليقات مغلقة.