إشكالية العلاقة بين المجتمع المدني و الأحزاب السياسية

22

سالارصالح

 

 

 

 

 

سالار صالح

 

ربما أختلط الأمر لدى بعض الناشطين في مجال المجتمع المدني فاعتقدوا أن منظماتهم أو اتحاداتهم المدنية قد تستطيع الحلول محل الأحزاب السياسية و تشغل الفراغ الحاصل في السلطة الذي سينجم عن توقف مؤسسات الدولة عن ممارسة مهامها نتيجة لحالة الثورة التي تمر بها سوريا, فتلك المهمة التي تناط بالأحزاب السياسية الطامحة في الوصول إلى السلطة, من غير الممكن لمنظمات المجتمع المدني أن تقوم بممارستها.

إذ تشكل الأحزاب السياسية اللبنة الأولى للمجتمع الديمقراطي , وتؤدي وظيفةً تختلف عن وظيفة أي مؤسسة أخرى في النظام الديمقراطي, ففي مقال صادر عام 1998, على صفحات مجلة الديمقراطية , بعنوان ضرورة الأحزاب السياسية , كتب سايمور مارتن ليبست أنّه ” يمكن تعريف الديمقراطية في أيّ مجتمع مركب على أنها نظام سياسي يوفر الفرص الدستورية المنتظمة لتغيير المسئولين الحكوميّين , و آلية اجتماعية تسمح للقسم الأكبر من الشعب بالتأثير على القرارات المهمة عبر اختيار أحد المتنافسين على المنصب السياسي – وهذا يتم من خلال الأحزاب السياسية.” ينص دور الحزب السياسي على توحيد المصالح الاجتماعية و تمثيلها, مع توفير بنية للمشاركة السياسية, و هو أشبه بميدان تدريب للقادة السياسيين الذين سيؤدون دوراً في المجتمع الحكومي في نهاية المطاف, فضلاً عن ذلك تتنافس الأحزاب في ما بينها و تسعى للفوز بالانتخابات بهدف الوصول إلى السلطة و إدارة المؤسسات الحكومية.

تسمي الأحزاب السياسية المرشحين, و تنظم المنافسات السياسية, و توحد أجزاءً من جمهور الناخبين, و تحيل أيّ تفضيلاتٍ سياسية إلى سياسات عامة, و حين تفقد السلطة فهي تشكل معارضة بنّاءة و ناقدة, من خلال تقديم نفسها كالحكومة البديلة التي قد يرغب الناخبون في اختيارها, و هكذا تضغط على المسئولين كي يستجيبوا للمصالح العامة بشكلٍ أفضل.

وفي حال حدوث اضطرابات في البلاد جراء قيام ثورة أو حرب أهلية أو انقلاب عسكري و توقف مؤسسات الدولة عن العمل, تقوم الأحزاب السياسية (قد يكون حزب سياسي واحد أو حزبين أو مجموعة أحزاب سياسية منضوية ضمن ائتلاف) بدور السلطة الفعلية (سلطة أمر الواقع), و تملء الفراغ الحاصل في السلطة ريثما تنتهي الأزمة لتعود الشرعية إلى الشعب مصدر السلطات.

كما تخدم الأحزاب السياسية المنظمة هدفين أساسيين: فهي أولاً تحدد حاجات جماعة و تعبر عنها بطريقة يفهمها الشعب و النظام السياسي و يستجيبان لها, و ثانياً تطور الأفكار المشتركة ضمن جماعة كبيرة كي تضغط على النظام السياسي, فيشكل اختلاف الآراء المبني على المبادىء – بالإضافة إلى تقبل التنوع و الشقاق اللذين يفرضهما هذا الاختلاف- جزءاً أساسياً من العملية الديمقراطية, بالفعل قد يساعد التعبير عن وجهات النظر المتضاربة على فهم القضايا و تحديد الحلول بشكلٍ أفضل, فعندما يسري مفعول النظام السياسي ستؤدي هذه التبادلات في الآراء إلى تحقيق رؤى جديدة أو تسوياتٍ قابلة للتطبيق, و ضرورية لوجود نظام ديمقراطي.

من جهته, يشكل المجتمع المدني أيضاً عنصراً أساسياً من عناصر النظام الديمقراطي, فلا يمكن للديمقراطية أن تدوم إلا إن دعمتها ثقافة مدنية قوية و شعب ملتزم بمثاليات: كحكم القانون , و الحرية الفردية و حرية المعتقد و الجدال الحر و الشفاف و حكم الأكثرية و حماية الأقليات و التعايش المشترك, إذ يحتضن المجتمع المدني الحيوي عناصر كثيرة مهمة للديمقراطية, مثل: المشاركة , و المساءلة, و الإصلاح السياسي الدائم, تقييم القوانين و التشريعات و نقدها, على سبيل التعداد لا الحصر, كما يمثل المجتمع المدني المنظم صدى صوت من هُضم حقه و يزيد من تأثيره على العملية السياسية.

انطلاقاً من هنا, تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً حاسماً في الدول النامية و المتطورة, فهي تساهم في تشكيل السياسة من خلال تقديم الخبرة التقنية إلى كل من يصوغ السياسات,و الضغط على الحكومات و البرلمانات و الأحزاب السياسية, كما أنّها تشجع مشاركة المواطنين و تروج للتربية المدنية, فضلاً عن ذلك, تقوم بالتدريب على القيادة و تقدم الفرص للمرأة و الشباب و المهمشين, و تعمل كأداة تشجعهم على المشاركة في الحياة المدنية في حال لم يكن العمل من خلال الأحزاب السياسية الخيار الأفضل.

و بهدف الوصول إلى نظام سياسي ديمقراطي مستدام يتوجب ذلك تضافر الجهود بين الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني, و في هذا المضمار تجدر الإشارة إلى أنّ المجتمع المدني لم يكن و لن يكون يوماً بديلاً عن الأحزاب السياسية أو القيادة السياسية المسئولة و المتقدمة.

من هنا, يجب ألا يتم تناول المجتمع المدني عوضاً عن الأحزاب السياسية أبداً, بل كجزء أساسي مكمل للأحزاب, لذا من الخطأ التفكير في الاختيار بين جماعات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية, و إنما من الواجب اعتبارهما حليفين طبيعيين, فبمقدور الأحزاب السياسية أن تدمج المجتمع المدني في السياسة أكثر من أي قطاع آخر, لذا من المهم أن تقوم الأحزاب السياسية بتشجيع النشاطات المدنية, غير أنه لا يجدر بمنظمات المجتمع المدني أن تمسي أشبه بساعد لأي حزب سياسي معين, أو تتبنى أيديولوجيا سياسية معينة, لا سيما و أن هذا سيقلص من استقلاليتها و مصداقيتها, بل يجب عليها أن تنمي شراكة مع الحزب في القضايا التي تصب في المصلحة العامة, فحين تتصل الأحزاب السياسية بمنظمات المجتمع المدني و تتعامل معها في إطار التعاون في القضايا و المشروعات ذات النفع العام, ستصبح مؤسسات الأحزاب أقوى و تكتسب تقديراً أكبر بين المواطنين, لا أنكر أنّ هنالك توتراً ملحوظاً يخالط دوماً العلاقة بين القوتين, لكنه توتر مفيد و يجب أن يترافق هذا باحترام متبادل للأدوار الأساسية التي يؤديها كل منهما.

عموماً يتطلب ازدهار المجتمع المدني قيام نظام سياسي ديمقراطي تعددي, إذ أنه من غير الممكن قيام مجتمع مدني قوي و ناشط في ظل انظمة الحكم القائمة على الحزب الواحد, حينئذ تتحول منظمات المجتمع المدني إلى مجرد أداة من أدوات الحزب التوتاليتاري لتوجيه و تعبئة الجماعة في خدمة الأيديولوجيا و الزعيم, و تمسي مهمشة و عاجزة, دون أن تمتلك أدنى جرأة تمكنها من انتقاد سياسات سلطة الحزب الواحد (القائد للدولة و المجتمع).

وفي مطلق الأحوال, العالم الذي تتألق فيه الديمقراطية هو مكان أكثر إنسانيةً و سلاماً و استقراراً و ازدهاراً.

التعليقات مغلقة.