سوريا… تكرار لليبيا ؟/ خليل حرب
ليس طبيعيا ان يشارك طيارون في مهمات عسكرية حساسة، ثم تتباهى وسائل اعلام دولهم بهذه الخفة بنشر صورهم وكشف هوياتهم في اليوم ذاته.
بمثل هذا «التحالف» الذي نشأ بهذه العجالة والروابط الفضفاضة والمصالح المبهمة، يصبح مثل هذا السلوك محل ريبة.
لنتفق اولا ان دول «التحالف» في سوريا، ليست هي ذاتها في العراق. بمعنى ان المقاتلات الجوية التي تشارك في تنفيذ هجمات على الاراضي السورية، لا تنفذ مهمات مشابهة على الاراضي العراقية. في العراق، تنحصر المهمات القتالية الجوية بالولايات المتحدة، وانضمت اليها الان كل من فرنسا وبريطانيا، مع احتمالات مشاركة كندا واستراليا وغيرهما من الدول الغربية لاحقا.
وعلى الرغم من ان العنوان العريض للحملة العسكرية، العابرة للحدود، كما وصفها الاميركيون قبل بدايتها، هو «الحرب على داعش»، الا ان المشهد في سوريا، مغاير تماما. تتذرع قائدة «التحالف»، اي واشنطن، بأن حكومة بغداد هي التي طلبت تدخلنا. وعندما يشار الى سوريا، يجري تجاهل حقيقة ان دمشق نادت بتعاون دولي واقليمي لمواجهة الخطر منذ اكثر من ثلاثة اعوام، اي قبل سقوط الموصل بكثير، وبروز خيار «التحالف» كأداة ضرورية وملحة لمواجة تداعيات الموقف اقليميا. وهكذا، فانه عندما تتم الاشارة الى سوريا، فان المنطق السياسي يتبدل، ويتم الحديث عن عبثية ضرب «داعش» في العراق، من دون ضرب مواقعه في سوريا.
الجدل يبدو عقيما في ظل الحلقة المفرغة التي تقدم فيها التبريرات السياسية والعسكرية. لكن طرح التساؤلات يصبح اكثر مشروعية، ولعل اهمها الان: لماذا راحت تصريحات دول «التحالف» ومواقفها، تتبدل ما بين عشية الغارات وبعد بدايتها بأيام خصوصا في ما يتعلق بأهداف الحرب ومراميها؟
لن نقف طويلا امام خطوة نشر صور الطيارين الخليجيين وهويات بعضهم منذ اليوم الاول لبدء الضربات الجوية، ولا امام الاعلان الاميركي في اليوم الثاني ان المقاتلات الخليجية، والاردنية، نفذت 80 في المئة من المهمات الهجومية، بعدما كان الاميركيون انفسهم، اعلنوا في اليوم الاول ان المقاتلات الاميركية نفذت كل الهجمات من مناطق الحدود مع العراق مرورا بدير الزور، ووصولا الى ريف حلب، وان اسلحة الجو العربية، اكتفت بمهمات المساندة الجوية والدعم.
ولن نقف طويلا ايضا امام تعليقات العديد من السوريين واللبنانيين وهي محقة بالمناسبة بأن كمين العتيبة الشهير في الغوطة الشرقية، اوقع لوحده قتلى في صفوف الارهابيين، اكثر مما فعلته مئات الغارات التي نفذها «التحالف» طوال سبعة ايام، بما في ذلك الهجمات بصواريخ «توماهوك» التي اطلقت من الخليج العربي والبحر الاحمر، وهي كلها هجمات لم تبدأ سوى بعد القيام بالالاف من عمليات الاستطلاع الجوي والتجسس المكثف طوال شهور.
لا، لن نقف طويلا امام ذلك. لكننا نحتاج الى فهم مغزى هذا التبدل والتلون في مصطلحات ومفاهيم قادة دول «التحالف»، وكأننا امام سيناريو شبيه بما بات يعرف بـ…الخديعة الليبية. بعد شهور على بداية الحرب السورية، سعى الغرب الى محاولة ابتكار «بنغازي سورية» في مدينة حماة. فشلت المحاولة، لكن المغزى كان، التسلل من شعار حماية المدنيين في مدينة سورية، لاجترار قرار من مجلس الامن يجيز التدخل الجوي لفرض منطقة حظر جوي والدفاع عن اهل المدينة. جرى ما يشبه ذلك تماما في مدينة بنغازي، بعد شهر فقط على بداية «الثورة الليبية» ضد النظام الليبي. تحول قرار مجلس الامن 1973، الصادر في 17 اذار 2011، الى منصة انقض منها الفرنسيون والانكليز والاميركيون على نظام معمر القذافي. ويقال دائما ان الروس تعلموا درسا ديبلوماسيا قاسيا من خلال تلك المكيدة التي نصبها الغرب لموسكو التي بنت على ذلك الكثير من التشدد في مواقفها السورية لاحقا.
كانت الدول الغربية ذاتها تقول ان القرار 1973 لم يكن يهدف الى احتلال ليبيا ولا تغيير النظام فيها. قبل شهر ونصف الشهر، تبنى مجلس الامن القرار رقم 2170 تحت الفصل السابع للتحرك ضد تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة». سارعت روسيا الى القول ان القرار لا يجيز العمل العسكري تلقائيا، ويحتاج ذلك الى عودة مجلس الامن لاتخاذ قرار لاحق. لم يحدث ذلك. شكل باراك اوباما «التحالف» على عجل، وذهب الى الحرب.
ومنذ ذلك اليوم، والتصريحات والمواقف تتبدل وتتلون. الداهية البريطاني يغازل ايران بشكل لم يسبق له مثيل. يكتشف الان فجأة ان لطهران ادوارها الاساسية في تسوية النزاعات في كل من العراق وسوريا ويطالب بافساح الطريق امامها سياسيا وديبلوماسيا. يقول وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قبل ايام، ان مشاركة بريطانيا في الغارات على سوريا مستقبلا ستكون ممكنة. العراب الاميركي اصبح يتحدث عن عملية عسكرية قابلة للتطور تدريجيا، بعدما كان يقول بداية انها حرب من السماء فقط. يروج الاميركي تدريجيا لفكرة الحاجة لنحو 15 الف مقاتل من «المعارضة المعتدلة». لم يستبعد كما هو ظاهر، احتمال الحاجة الى قوات خاصة تتحرك على الارض احيانا. مملكة الالتباس، السعودية، تقول الان بوضوح، ان الخطوة الامثل في القضاء على «داعش»، يجب ان تكون بابعاد الرئيس بشار الاسد. تستحضر الان، في مثل هذه الاجواء الملتهبة، وجود «الحرس الثوري» و«حزب الله» في سوريا. تتعامى، هي وقطر، عن الشبهات الملتصقة بهما، بضلوعهما في دعم نفس المجموعات الارهابية التي يفترض ان يقاتلها «اميرهم المحارب» خالد بن سلمان في اطار حرب «التحالف». وفي نكتة سمجة، تقول السعودية وقطر بكل ثقة انهما لم تدعما المتطرفين في سوريا، وان مليارات الدولارات التي تدفقت على المعارضة ذهبت الى «المعتدلين». ويخلص الامير تميم والامير سعود الفيصل الى ان لب المشكلة يكمن في وجود الاسد في الحكم، وما من نصر سيتحقق، الا برحيله. يقول تميم، الامير الحديث العهد بالحكم، ان «الهدف على المدى الطويل، يجب أن يكون مهاجمة النظام السوري».
ومن جهتهم، يشكك الاتراك بفكرة الاكتفاء بالضربات الجوية. يروجون لفكرة «المنطقة الآمنة» وفرض حظر جوي على الشمال السوري. اليوم سيسعى اردوغان الى نيل تفويض واضح من البرلمان بذلك. وبخبث، يعمل الاسرائيليون على المقلب الاخر على تهيئة الظروف الملائمة ميدانيا، لقيام «شريط حدودي» على غرار ما سمي بـ«الجدار الطيب» في الجنوب اللبناني في سنوات الاحتلال.
ما زالت عوامل كثيرة تحول دون «اطلسة» الصراع مع سوريا، وتمنع تطوير العدوان، الى مرحلة المواجهة المباشرة. يصح ذلك حتى اللحظة الراهنة. لكن المشهد يمكن ان يتبدل غدا، فمن بإمكانه الادعاء ان حسابات الحروب تبنى بشكل صحيح دائما؟
عن صحيفة السفير
التعليقات مغلقة.