المسرح الكردي، عبر التاريخ

345

أورهان كمال

بالعودة بالزمن آلاف السنين إلى الوراء، نجد بأن ولادة فن المسرح كانت ولادة استثنائية، فقد انبثق هذا الفن من رحم الديانات السماوية والعقائد والحضارات اللامتناهية، إلا أنه استطاع رغم ذلك الحفاظ على مكانته، وبقي الفن الأكثر تلاحما مع الإنسان من بين جميع الفنون، التي سبقته، والتي تلته منها، ومن جانب آخر، فقد استفادت وتفاعلت الكثير من الحضارات والشعوب من ومع هذا الفن أيضا، ومن بين هذه الشعوب الشعب الكردي، الذي كان ذو حظ كذلك باندماجه مع ذلك المولود الجديد، الذي سمي المسرح.

إذا أردنا الخوض في التاريخ لمعرفة متى عرف الكرد فن المسرح، وفيما إذا كان ذلك قبل الميلاد أو بعده، فإننا سنبدأ من الحقيقة التاريخية التي يعرفها كل مهتم بفن المسرح، ألا وهي أن ولادة المسرح كانت في عصر الفراعنة، والحقيقة الثانية التي يلفظها التاريخ مرارا هي، العلاقة المتينة التي كانت تربط الفراعنة بالميتانيين “أجداد الكرد”، حيث كانت قد عقدت بينهم بروتوكولات تجارية وعلاقات مشتركة، والتي تطورت فيما بعد لعقد روابط الزواج بينهم على مستوى الأسر الحاكمة، كزواج ابنة الحاكم الميتاني من ابن الحاكم الفرعوني، والمعروفة عبر التاريخ بالاسم الفرعوني “نفرتيتي”، حيث أسهمت هذه العلاقات في نقل فنون النقش على الصخر وتلوين الزجاج التي اشتهر بها الميتانيين إلى الفراعنة، واقتباس فن المسرح منهم، ومنها عرف الكرد الأوائل فن المسرح، الذي كان آنذاك مصدر الارتباط الروحي بين الفرد والآلهة، والمحفز لتقوية رباطة الجأش لدى المقاتلين.

تطور فن المسرح عبر التاريخ لم يكن بالأمر السهل، حيث بدأ تطوره البارز بشكل جدي على يد “إيفيلوس”، وكان لذلك أثرا بارزا في نفوس المفكرين والمؤرخين آنذاك، إلا إن الكرد لم تساعدهم ظروفهم عبر التاريخ، في الارتقاء بهذا الفن للمستوى المطلوب، وذلك نتيجة تقسيم كردستان عام 1916م وفق اتفاقية سايكس بيكو، والتي حاول محتلو كردستان بموجبها طمس معالم الحضارة والهوية الكردية في كافة المجالات، ومن ضمنها المسرح، ولو عدنا وبحثنا في البعثات الأثرية في تسعة آلاف تلة أثرية في كردستان، سنجد بأن هناك أبواب عظيمة مغلقة ومطمورة تحت التراب، تحتاج إلى من يسلط الضوء عليها، ليزيد التاريخ والمعرفة أثباتا، بأن الكرد من أعرق شعوب الأرض، والأدلة هنا كثيرة، ومن أهمها المدينة التي اكتشفتها البعثة الأمريكية في منطقة الجزيرة، والمسماة “حموكر”، حيث يذكر التاريخ بأن لغة سكان تلك المدينة كانت هندو-أوروبية، تتركز في شمال سوريا وجنوب شرق تركيا، وهي اللغة الكوردية، ويؤكد “ديل ديورانت” في كتابه “قصة الحضارة” بأن أول رقم تم تدوينه في تاريخ البشرية، كان في منطقة الشرق الأدنى، أي كردستان، وسبق ذلك الحضارة الآشورية بثلاثة آلاف عام، ولو استمرت البعثات الأثرية بالتنقيب في أرض كردستان بدون وجود خطوط حمراء، لاكتشفت العديد من المسارح، وبالعودة إلى دراسة العلاقة بين الميتانيين والفراعنة، لن نتفاجأ بأن اسلاف الكرد أوجدوا في المسرح، ومن معابدهم ومسارحهم، خرج هذا الفن للعالم.

استطاع الشعب الكردي في العصر الحديث إن يوثق تاريخه المسرحي، بأول عرض مسرحي قدم في مدينة “هولير” عام 1905م بعنوان “النور والظلام”، وذلك من خلال كادر مسرحي كردي، وبرواية كردية بحتة، كما شهدت جمهورية كردستان في مهاباد أثناء قيامها، تقديم عرض مسرحي بعنوان “الأم المضحية”، ولكن إذا عدنا إلى ملحمة “مم و زين” للشاعر الكردي أحمد خاني سنجد بأنه كتب ملحمة مسرحية منذ أكثر من ثلاثمئة عام، وفي العصر الجديد سنصادف مسرحية “الجرح الأسود” للكاتب الكردي موسى عنتر.

في النهاية نستخصص العبرة التالية، بأن الشعب الكردي، وبالرغم من الظلم والاضطهاد الذي لاقاه عبر الزمن، وجميع المحاولات الرامية إلى طمس معالمه التاريخية، الحضارية منها والفنية، إلا أنه أبى إلا أن يعبر عن نفسه وهويته، وأحدى نضالاته في التعبير كانت في اتخاذ المسرح منبرا لنقل معاناته والمطالبة بحقوقه المشروعة، إضافة للتفاعل والتواصل مع الشعوب والثقافات المختلفة.

التعليقات مغلقة.